أنفاس لا تعود
---------------
لا بد لكل واحدة منا أن تتوقف قليلاً وتراجع حساباتها.. ترى ماذا فعلت في العام الماضي، في الشهر الماضي، الأسبوع الماضي أو في يومها هذا؟ تماماً كما يفعل التاجر الحريص على رواج تجارته.
وبعد أن نسترجع ما الذي فعلناه وما الذي كسبناه وخسرناه في الماضي، يجب علينا أن نتأمل في أوقاتنا وأعمارنا. إن كل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي ليس في الإمكان استعادتها. وبالتالي لا يمكن تعويضها.
يقول الحسن البصري رحمه الله: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلي يوم القيامة". فكل يوم يمضي، يمضي معه جزء من عمر الإنسان. وللحسن البصري رحمه الله مقولة أخرى: "يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك".
ومَن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه وقت يعرف فيه قدره ولكن بعد فوات الأوان. وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيها على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:
أولاً: ساعة الاحتضار، حين يترك الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد. قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون" (سورة المنافقون 9-11).
وثانياً: في الآخرة حيث توفى كل نفس ما عملت ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة ليبدؤوا من جديد عملاً صالحاً. قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ " (سورة فاطر 36-37)
وإذا كان للوقت هذه الأهمية فإن المسلم عليه واجبات نحو وقته ينبغي أن يعرفها، منها:
الحرص على الاستفادة من الوقت، فيحافظ عليه كما يحافظ على حاله ويحاول الاستفادة من وقته بما ينفعه في دينه ودنياه. يقول الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم". ومع الأسف هناك فئة من الناس لا يبالون بتضييع أوقاتهم. بل نراهم يقولون، ماذا نفعل؟ إنما نريد أن نقتل الوقت والفراغ وما يدري هؤلاء المساكين إن من قتل وقته قتل نفسه.
اغتنام الفراغ، ورد في الحديث: "اغتنم خمساً قبل خمس. شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك". فسيأتي يوم نتمنى فيه ذلك الفراغ ولكن بعد فوات الأوان. وكان ابن عمر يقول "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك"
تنظيم الوقت بحيث نقسم أوقاتنا بين الواجبات المختلفة الدينية والدنيوية حتى لا يطغى بعضها على بعض.
أخيراً أرجو أن يكون فيما سبق واعظ لنا وداعي للعمل والجد والاجتهاد خصوصاً أن النساء مشهور عنهن أنهن أكثر الناس إضاعة للوقت في الثرثرة والقيل والقال وفيما لا فائدة منه.
والله الهادي إلى الحق، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أحسن الخلق أجمعين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الروابط المفضلة