أولا: مفهوم الرياء أو السمعة
الرياء والسمعة لغة:
الرياء في اللغة مشتق من الرؤية، تقول: راءى الرجل: إذا أظهر عملا صالحا ليراه الناس.
والسمعة مشتقة من سمّع، تقول: سمّع الناس بعمله، أي أظهره لهم بعد أن كان سرا .
الرياء والسمعة اصطلاحا:
أما مفهوم الرياء أو السمعة في اصطلاح الدعاة وعلماء السلوك والأخلاق: فهو إطلاع المسلم الناس على ما يصدر منه من الصالحات طلبا للمنزلة والمكانة عندهم، أو طمعا في دنياهم، فإن وقعت أمامهم ورأوها فذلك هو الرياء، وإن لم تقع أمامهم لكنه حدّثهم بها فتلك السمعة .
وفرّق العلامة عز الدين بن عبد السلام بين الرياء والسمعة قائلا:
"الرياء أن يعمل لغير الله، والسمعة أن يخفي عمله لله ، ثم يحدث به الناس" ،وكأنه يرى أن الرياء كلّه مذموم، أما السمعة فقد تكون مذمومة إذا قصد بالحديث عن عمله وجه الناس، ومحمودة إذا قصد بذلك وجه الله وابتغاء مرضاته.
وذلك الذي قاله ابن عبد السلام هو ما تصدقه النصوص الشرعية، إذ يقول الله - عز وجل-:
}يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس} (البقرة: 64).
وإذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء .
ثانيا : أسباب الرياء أو السمعة :
هذا وللرياء أو السمعة أسباب أو بواعث توقع فيه وتؤدى إليه، نذكر منها :
-1 النشأة الأولى:
إذ قد ينشأ الولد في أحضان بيت دأبه وديدنه الرياء أو السمعة، فما يكون منه إلا التقليد والمحاكاة، وبمرور الزمن تتأصل هذه الآفة في نفسه، وتصبح وكأنما هي جزء لا يتجزأ من شخصيته.
ولعل هذا هو السر في وصية الإسلام بان يكون الدين هو أساس اقتران الرجل بالمرأة، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" ، "وإذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه" .
-2 - الصحبة أو الرفقة السيئة :
وقد تحتويه صحبة أو رفقة سيئة، لا همّ لها إلا الرياء أو السمعة، فيقلدهم ويحاكيهم، لا سيما إذا كان ضعيف الشخصية، شديد التأثر بغيره، وبتوالي الأيام يتمكن هذا الداء من نفسه، ويطبعها بطابعه.
-3 - عدم المعرفة الحقيقية بالله - عز وجل - :
إذ أن الجهل بالله أو نقصان المعرفة به يؤدى إلى عدم تقديره حق قدره، ومن ثمّ يظن هذا الجاهل بالله الذي لم يعرفه حق المعرفة، ولم يقدّره حق قدره أن العباد يملكون شيئا من الضر أو النفع، فيحرص على مراء اتهم وتسميعهم كل ما يصدر عنه من الصالحات، ليمنحوه شيئا مما يتصور أنهم مالكوه.
ولعل ذلك هو السر في دعوة الإسلام إلى المعرفة بالله أولا: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} (محمد: 19)، بل وتطبيقه ذلك، حيث دار القرآن المكي، وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم طوال المرحلة المكية حول التعريف بأصول العقيدة، وتأكيدها وترسيخها في النفس.
-4 - الرغبة في الصدارة أو المنصب :
وقد تدفع الرغبة في الصدارة أو في المنصب إلى الرياء أو السمعة، حتى يثق به من بيدهم هذا الأمر، فيجعلوه في الصدارة، أو يبوئوه المنصب.
ولعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على اختيار أو ابتلاء الناس قبل الوثوق بهم أو الركون إليهم، لا سيما إذا كانوا على حال تدعو إلى ذلك، إذ يقول الله - عز وجل -: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء: 16)، {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} (الممتحنة: 110).
-5 - الطمع فيما في أيدي الناس :
وقد يحمله الطمع فيما بين أيدي الناس، والحرص على الدنيا على الرياء أو السمعة، ليثق به الناس وترق قلوبهم له، فيعطونه ما يملأ جيبه، ويشبع بطنه.
وفي سؤال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل يقاتل للمغنم..." .
-6 - إشباع غريزة حبّ المحمدة أو الثناء من الناس :
وقد يدعوه حب المحمدة أو الثناء من الناس إلى الرياء أو السمعة، حتى يكون حديث كل لسان، وذكر كل مجلس، فتنتفش نفسه وتنتفخ بذلك - والعياذ بالله.
وإلى هذا السبب يشير بقية الحديث المتقدم: (... والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟..."
-7- شدة ذوي المسؤولية في المحاسبة :
وقد تكون شدّة ذوى المسؤولية في المحاسبة هي السبب في الرياء أو السمعة، لا سيما إذا كان هناك ضعف في الإرادة وفتور في العزيمة، وكأنه يحاول بهذا الرياء أو بهذه السمعة ستر ضعفه وفتوره، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إذ يقول لعائشة: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" .
-8 - إظهار الآخرين إعجابهم به وبما يصدر عنه من أعمال :
وقد يكون إظهار الآخرين إعجابهم به، وبما يصدر عنه من أعمال، هو الباعث على الرياء أو السمعة، كي يكون هناك مزيد من هذا الإعجاب.
وحتى يحمى الإسلام البشر من هذا الداء، منع إبراز هذا الإعجاب، فإن كان ولابد فليكن معه الاحتراز والحيطة بان يقول: "أحسب فلانا كذا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا" .
-9 - الخوف من قالة الناس لا سيما الأقران :
وقد يكون الخوف من قالة الناس - لا سيما الأقران - هو الباعث على الرياء أو السمعة، حتى يظهر أمامهم بالصورة التي ترضيهم، وتسكت ألسنتهم عنه، وإذا ما خلا بنفسه انتهك محارم الله: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا} ( النساء: 108).
-10 - الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة:
وأخيرا، قد يكون الجهل أو الغفلة عن العواقب أو الآثار الناجمة عن الرياء أو السمعة، هي السبب في مراءاة الناس أو تسميعهم، فان من جهل أو غفل عن عاقبة شيء ما- لا سيما إذا كانت هذه العاقبة ضارة - تعاطى هذا الشيء، ولازمه حتى يصير خلقا له.
وصلني بالأيميل
الروابط المفضلة