باقة ورد إلى فتاة الإسلام


للشيخ : عائض القرني



جمال المرأة، وحسن المرأة، وروعة المرأة ليس في ذهبها وثيابها، إنما جمالها وحسنها وروعتها في تقواها لربها،

فَنِعْمَ الجمال جمال التقوى.

ونعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، فالمرأة داعية بخلقها وبكلمتها اللينة، ولها عبرة بنساء سبقنها كفاطمة وعائشة وأسماء، والحذر الحذر! من أن تسمع المرأة لدعاة التخريب، والحذر الحذر! ان تنهمك بمغرياتها، بل عليها أن تعمل لآخرتها.



موقف المرأة المسلمة من الإيمان




الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أيتها الأخوات المسلمات! سلام الله عليكن ورحمته وبركاته، وأسعد الله مساءكن بكل خير ويمن وبركة.

وإنها لفرصة سعيدة أن تسمع المسلمة دعوة الله، وكلام الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].



أيتها الأم! أيتها الأخت! يا صانعة الأجيال! ويا أم شباب الإسلام والأبطال! ويا أم القواد والعلماء والزعماء! إنك مسئولة أمام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن دورك في الحياة، لماذا خلقت؟ ولماذا وجدت؟ ولماذا سرت على وجه الأرض؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي أتى بمهمة المرأة في الحياة، فجعلها أماً وزوجة وأختاً ومعلمة ومربية وراعية وحافظة.


الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراقِ


الأم نبت إن تعاهده الحيا بالريِّ أوْرق أيما إيراقِ



إذا عُلم هذا! فإنني سوف أتحدث في هذه المحاضرة بعنوان: (باقة ورد إلى فتاة الإسلام) وباقة الورد إنما هي محبة في الله عز وجل، أنثرها على رءوسكن، وعلى رأس كل امرأة مسلمة تريد الله والدار الآخرة، وهي مسائل:

أولاً:

ما هو موقف المرأة المسلمة من الإيمان؟ وكيف تكون مؤمنة؟

إن الله عز وجل خاطب الناس بأوامر ونواهي، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى بعد أن ذكر الصالحين الأبرار وذكر الفسقة الأشرار:

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ... )[الأحزاب:35] الآيات، فالله عز وجل ذكر المرأة المسلمة الصالحة القانتة الحافظة للغيب بما حفظ الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالى- وأتى رسولنا صلى الله عليه وسلم فتحدث إلى المرأة المسلمة وحدد لها دورها في الحياة، وأوصى بها خيراً؛ لأنه يعلم أنها شقيقة الرجل، وأنها هي التي تقوم على المثل، وتربي الأطفال والعلماء والأدباء والشهداء.

يقول صلى الله عليه وسلم يوم الحج الأكبر: {الله الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم } ويقول صلى الله عليه وسلم: {استوصوا بالنساء خيراً } وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي } فصلَّى الله على معلم الخير.......



أسماء بنت عميس وطلبها الاستزادة من الإيمان



جاء في صحيح البخاري أن امرأة مجيدة، علَّمها النبي صلى الله عليه وسلم ورباَّها، فرضعت القرآن، وتعلمت الإيمان، وخافت الواحد الديان، وهي أسماء بنت عميس ، أتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: {يا رسول الله! غلبنا عليك الرجال، يحجون معك، ويجاهدون معك، ويصلون معك، فاجعل لنا يوماً من نفسك } وقد بوب الإمام البخاري لذلك: (باب: هل يجعل العالم للنساء يوماً من نفسه؟) فأعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وما أدراك ما يوم الإثنين؟ يوم يجتمع فيه صلى الله عليه وسلم بالنساء، فيربيهن ويعلمهن ويجلس معهنَّ.


إيمان فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم




كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، عاش أباً فرزق أربعاً من البنات كالنجوم، حافظات للغيب بما حفظ الله، أربعاً من البنات عايشن القرآن والإيمان، وطاعة الواحد الديان، فاطمة ، وأم كلثوم ، وزينب ، ورقية .

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً ودعهن، وإذا أتى من سفر بدأ بهنَّ، كان رحمة مهداة عليه الصلاة والسلام، يأتي إلى فاطمة ابنته صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس فيزورها ويقول لها ولـعلي {ألا تصليان؟! ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟! تسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبران الله أربعاً وثلاثين } لقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة على تقوى الله، على التسبيح والعبادة والتحميد، وعلى الاتصال بالحي القيوم، وكل من لم يجد الله فقد فَقَدَ كل شيء، ومن وجد الله فقد وجد كل شيء.


إن الذهب والفضة والحلي، والقصور والفلل، والخدم والملابس -والله- لا تساوي شيئاً، بل تكون مع المعصية لعنة وغضباً وسخطة منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أما مع التقوى فحيَّا الله الفقر، ومع طاعة الله عز وجل حيا الله المسكنة.

يقول محمد إقبال في فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام:

هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها


أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد ربَّاها


وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه سيَّافا



عاشت في بيت النبوة، فرضعت الإيمان والإسلام، ولدت على لا إله إلا الله، وتربت عليها، وأنبتت أبناءها، وربت جيلها على لا إله إلا الله.

فأنت -أيتها الأخت المسلمة- تطالبين بالإيمان، املئي قلبك بالإيمان، فوالله لقد تحلَّى كثير من النساء بالذهب والفضة، وفقدوا الفضيلة والعفاف، وغض البصر والإيمان، ففقدن كل شيء، فقدن رضا الله ومحبته وستره، ثم فقدن الحياة الرغيدة؛ لأنه لا أمن ولا استقرار للمسلم ولا المسلمة إلا بهذا الدين وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].



إيمان آسية يصمد أمام فرعون



امرأة فرعون آسية رضي الله عنها وأرضاها عرفت لا إله إلا الله، وآمنت بالله، فملأت قلبها بالإيمان، وأطاعت الرحمن، وزوجها دجَّال فاجر كافر، انحرف ودُهْدِه على وجهه في النار، تقول امرأته في نجاء حبيب، وفي دعاء عجيب: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] قال ابن القيم : انظر إليها طلبت الجار قبل الدار" جوار الواحد الأحد، سكنها: جنة عرضها السماوات والأرض، ملت قصور فرعون؛ لأنها قصور ملعونة، ودار ملعونة، ورجل ملعون، وأرادت جوار الله -عز وجل- فسجَّل اسمها في الخالدين، وذكرها في العارفين، وبقي اسمها في العالمين يدوي في كتاب رب العالمين تبارك وتعالى.

فيا أختي المسلمة! أما لك قدوة في امرأة الرجل الطاغية الدجال المجرم، يوم عاشت في بيت الكفر؛ فآمنت بالله الواحد الأحد، فصلبها وعذَّبها.

قال بعض المفسرين: "سمَّر أياديها بالجدار فما وجدت ألماً، وجاءت الملائكة تظللها بالأجنحة".

سلام على تلك المرأة المؤمنة، سلام عليها يوم عرفت الله، وغضت طرفها عن محارم الله، وحصَّنت فرجها عن المعصية التي تغضب الله تبارك وتعالى.


إيمان أم سليم والمهر العظيم



وأم سليم امرأة من الأنصار، أم أنس بن مالك رضي الله عنه، لما أتى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ؛ بحثت عن هدية تهديها إلى أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فما وجدت إلا ابنها وحبيبها، وفلذة كبدها، فغسلته ولبسته وطيبته وذهبت به وكان عمره عشر سنوات، وقالت: {يا رسول الله أنس ابني أحب الناس إليَّ أهديه لك؛ يخدمك طيلة الحياة، فادع الله له فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم أطل عمره، وكثِّر ماله وولده، واغفر ذنبه } فتقبل الله دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، والشاهد من هذا: أن هذه المرأة المؤمنة التي كان مهرها في الإسلام أعظم مهر ليس كمهور اليوم، فقد أصبحت المرأة تعرض في الأسواق، وأصبحت سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وفي المضاربة والأسهم.

هل كان مهرها قطعة أرض أو سيارة؟ لا، بل مهرها أغلى من الدنيا وما فيها، إن مهرها هو الإسلام.

تقدم لها أبو طلحة وهو مشرك يريد أن يتزوجها، قالت: [[أنت مشرك وأنا مسلمة والله لا أتزوج بك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ]] وسجد لله، فتزوجته، فكان مهرها الإسلام، والإسلام ثمنها، قالوا: ما سمعنا بمهر في الجاهلية ولا في الإسلام أعظم من مهر أم سليم رضي الله عنها وأرضاها.

وأدخلت على أبي طلحة الإيمان فحثته على قيام الليل، وعلى الزهد والعبادة، فرزقها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تسعة أبناء كلهم حفظوا القرآن، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.


إيمان الخنساء وموقفها العظيم



والخنساء ربت أربعة من أبنائها على طاعة الله، حفظتهم القرآن، وعلَّمتهم السنة، وقادتهم إلى المسجد، فلما أتت معركة القادسية ذهبت بأبنائها الأربعة، وقالت لهم: [[البسوا أكفانكم فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم، وأوصتهم وقالت: يا أبنائي! والله ما خدعت أباكم، ولا غررت خالكم، إذا حضرتم المعركة فتيمموا أبطالها، ويمموا وطيسها، وقاتلوا في سبيل الله، علَّ الله أن يقر عيني بشهادتكم في سبيله ]] وبالفعل حضروا؛ لأنهم تربوا على الإيمان، وهذا فعل المرأة الصالحة التي تربي أبناءها على القرآن، وعلى طاعة الواحد الأحد، وتربي بناتها على الحجاب، وعلى أداء الصلاة، وعلى خشية الله ومراقبته، وعلى التأسي بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم لا كما يفعل بعض النساء -هداهن الله وسامحهن- يوم تربي ابنها وابنتها على الأغنية الساقطة الهابطة الماجنة السخيفة، أو على المجلة الخليعة.

ما هذا الدين؟! وما هذه العبادة؟! وما هذا الاتصال؟! وما هذه المراقبة؟! أينقصنا غناء ومجون؟! أينقصنا معصية من المعاصي التي كثرت في بيوتنا؟!

ولما حضر أبناء الخنساء الأربعة المعركة قتلوا في سبيل الله فبشروا الخنساء ، فتبسمت، وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بقتلهم في سبيل الله.

فيا أختي المسلمة! حاجتنا إلى الإيمان شديدة، فإن أحوج ما نحتاج إليه أن ندخل الإيمان بيوتنا، والإيمان يكمل في الصلوات الخمس للأبناء والبنات، وأن نلاحقهن بالتربية، وأن نرضعهن مع اللبن لا إله إلا الله محمد رسول الله.

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق


الأم جامعة كبرى يوم تصلح الأم؛ يصلح الله بها الجيل، ويربى بها الأخيار والأبرار، ويوم تفسد؛ يفسد بها المجتمع ويأتي هذا الاعوجاج الخطير الذي نعيشه في مجتمعاتنا.

فيا أمة الله! أسألك بالله أن تتقي الله في هذا الجيل، وأن تتقي الله في بيت المسلمين، وأن تتقي الله في دين رب العالمين، وفي رسالة محمد سيد المرسلين.

يا أمة الله! الحجاب الحجاب، سترك بيتك وطاعة ربك.

يا أمة الله! اتقي الله في الأبناء والبنات.

يا أمة الله! اتقي الله في الزوج، إنك المؤثرة العظيمة، والرائدة يوم تربين في تقوى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتربين في طاعته؛ حينها يرضى الله عنك، ويملأ قلبك وبيتك رضا، وسكينة، وطمأنينة.




من الشبكة الإسلامية

http://audio.islamweb.net/audio/inde...&audioid=19618

http://audio.islamweb.net/audio/inde...&audioid=19618