عن علقمة بن أبى مرثد ، قال
‏:‏ لما قدم عمر بن هبيرة العراق ، أرسل إلى الحسن وإلى الشعبى ، فأمر لهما ببيت ، فكانا فيه نحواً
من شهر ، ثم دخل عليهما وجلس معظِّماً لهما ، فقال ‏:‏ إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إليَّ كتباً ، أعرف أن فى إنفاذها الهَلَكة ، فإن أطعته عصيت الله ، وإن عصيته أطعت الله ، فهل تريان فى متابعتى إياه فرجاً‏ ؟‏ فقال الحسن ‏:‏ يا أبا عمرو (وهي
كنية الشعبي) ، أجب الأمير ‏.‏ فتكلم الشعبى ، فانحط فى أمر ابن هبيرة ، كأنه عذره , فقال ‏:‏ ما تقول أنت يا أبا سعيد ‏؟
‏ قال ‏:‏ أيها الأمير ، فقد قال الشعبى ما قد سمعت ‏.‏ فقال ‏:‏ ما تقول أنت‏ ؟‏ قال ‏:‏ أقول ‏:‏ يا عمر بن هبيرة ، ويوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصى الله ما أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ‏.‏ يا عمر بن هبيرة ، إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ، ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله تعالى ‏.‏ يا عمر بن هبيرة ، لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل فى طاعة يزيد بن عبد الملك ، فيغلق
به باب المغفرة دونك ‏.‏ يا عمر بن هبيرة ، لقد أدركت ناساً من صدر هذه الأمة ، كانوا عن الدنيا وهى مقبلة عليهم أشد إدباراً من إقبالكم عليها وهى مدبرة عنكم ‏.‏ يا عمر بن هبيرة ، إنى أخوفك مقاماً خوفكه الله تعالى فقال ‏:‏{ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [‏إبراهيم‏:‏14‏]‏ .‏ يا عمر بن هبيرة ، إن تك مع الله فى طاعته ، كفاك يزيد بن عبد الملك ، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصى الله وكلك الله إليه ‏.‏ فبكى عمر بن هبيرة وقام بعبرته ‏.‏ فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما ، وأكثر فيها للحسن ، وكان فى جائزة الشعبى بعض الإقتار ، فخرج الشعبى إلى المسجد ، فقال ‏:‏ أيها الناس ، من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه ، فليفعل ، فوالذى نفسى بيده ، ما علم الحسن شيئاً منه فجهلته ، ولكنى أردت وجه ابن هبيرة ، فأقصانى الله منه‏