الحمد لله حمداً كثيرا طيبا ً مباركاً فيه، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل ٍ يقربنا إلى حبك.. وبعد..
إن محبة الله ،، منزلة عظيمة ،، ودرجة رفيعة..قال عنها ابن القيم – رحمه الله – :
(المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عملها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ) انتهى.
ويقول الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31]
يقول ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله.
قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تـُُحِب إنما الشأن أن تحَب.
وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ).
نعم...فليس الشأن أن تحب الله ،، ولكن الشأن أن يحبك الله، فتحصل على الخير والسعادة والفوز والنجاة.
وحتى نرتقي من منزلة المحب لله إلى منزلة المحبوب من الله، لابد أن نعرف الأسباب التي ترفعنا إلى تلك الدرجة العظيمة.
سأقدم لكم - بعون الله وتوفيقه- الأعمال التي يحبها الله – باختصار- كما ذكرها عدنان الطرشة في كتابه ((ماذا يحب الله وماذا يبغض..؟)).
ولكن قبل ذلك ..
لنوقف لحظة تأمل وتدبر مع آية في كتاب الله عز وجل في سورة مريم...
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
قال ابن كثير :
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه ، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه قال الإمام أحمد < 2/413 > حدثنا أبو عوانة حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ( إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه قال فيحبه جبريل قال ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه قال فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه قال فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض. ورواه مسلم < 2637 > من حديث سهيل ورواه أحمد < 2/514 > والبخاري < 6640 > .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو داود الحفدي حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد وهو الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادي في السماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قول الله عز وجل ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) رواه مسلم < 2637 > والترمذي < 3161 > كلاهما عن قتيبة عن الدراوردي به وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ( سيجعل لهم الرحمن وداً ) قال حباً.
وقال مجاهد عنه( سيجعل لهم الرحمن وداً) قال محبة في الناس في الدنيا.
وقال سعيد بن جبير عنه: : يحبهم ويحببهم يعني إلى خلقه المؤمنين.
وقال العوفي عن ابن عباس أيضاً الود من المسلمين في الدنيا والرزق والحسن واللسان الصادق.
وقال قتادة ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ) أي والله في قلوب أهل الإيمان.
وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
وقال قتادة وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: : ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله عز وجل رداء عمله.
الروابط المفضلة