مرحباً بكم يا سادة يا كرام ، وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة ..
و بعــــــد : فلقد درستُ بعض أبواب كتاب التوحيد على الشيخ الموقر عبدالله الغنيمان حفظه الله ، ومتعه بوافر من الصحة والعافية ، وجزاه عني خير الجزاء وأوفره ..
من الجدير بالذكر ، أنه إذا ذُكر كتاب التوحيد ، ذُكر معه الشيخ عبدالله الغنيمان ، فالشيخ لا يفتأ يدرس هذا الكتاب طيلة حياته ، سواء عندما كان في المدينة النبوية ، في الحرم النبوي أو في مسجد المحتسب ، فهو هِجِّيراه وديدنه ، كلما انتهى من شرحه أعاده ، وعندما كان يدرس في المسجد النبوي ، كان يشرح فتح المجيد . وكلما قيل له نريد دراسة غيره ، قال : الناس أحوج إلى هذا الكتاب ، فيعيده ولا يمل ..
ومن اهتمامه بالتوحيد حفظه الله وعنايته به غاية العناية ، شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري في مجلدين ماتعين .. أسأل الله أن يسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه ، وأن يرده إلى المدينة فإني أحب هذا الشيخ في الله ، فإنك تشهد فيه إخلاصه ، وعدم تكلفه ، وعدم مجاملته لأحد ..
درست عليه في مسجد المحتسب ، وكان الدرس كل خميس بعد الفجر ، وعلقتُ هذه التعليقات ..
--------------------------------------------------------------------------------
بابٌ .. الخوفُ من الشرك
ذكر المصنف هذا الباب ، أراد أن ينبه على وجوب الخوف من الوقوع في الشرك ، وأنه يجب على العبد أن يتعرف على الشرك لأنه ربما الذي لا يعرف الشرك قد يقع فيه ..
وقول الله عز وجل : ( إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) تدل هذه الأية على أن المشرك لا يُغفر له ، إن مات على الشرك ، ويدخل فيه الشرك عامة ، صغيره وكبيره ، وجعل المغفرة فيما عدا الشرك ، أما إذا تاب فإن التوبة تمحوه .
الشرك الأصغر ، ربما غلبتْ عليه الحسنات ، وهو لا يبطل الأعمال ، وتمحوه التوبة ، ويُقاس ويُوزن عليه ، أما الشرك الأكبر فإنه لا يوازن بينه وبين السيئات ، ويحبط العمل كله ، ولا يُقاس ولا يُوزن عليه .
وقال الخليل عليه السلام : ( واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام )
الخُلة : هي منتهى المحبة ، وأعلى مراتبه ، وهي ليست مطلق المحبة .
قوله " واجنبني " ، من دعاء إبراهيم عليه السلام ، أي اجعلني جانباً مبتعداً عن الأصنام ، وقال إبراهيم التيمي : " ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم " .
هذا طلب من إبراهيم عليه السلام ، وطلب الأنبياء لا يلزم إجابته ، فإن إبراهيم كان من أبنائه من عبد الأصنام .
الأصنام ، تطلق على جميع الأوثان ، وأهل اللغة يقولون : إن الصنم هو ما كان مجسماً على هيئة منحوتةمن صورة حيوان أو إنسان ، أما غير ذلك وإن كان مصوراً فإنه وثن ، فالصنم أعم من الوثن .
وكلام إبراهيم عليه السلام ، هو قوله وكلامه حقيقة ، ولا يلزم أن يكون باللغة ، فإن إبراهيم لم يكن عربياً .
وفي الحديث : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فسُئل عنه ؟ فقال : الرياء )
الخطاب للصحابة ، وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء ، ومع ذلك يخاف عليهم من الشرك الأصغر ، وحديث " إني لا أخاف أن تعبدوا الأوثان " لا يُعارض هذا الحديث .
الرياء : مأخوذ من الرؤية ، أي الأعمل من رؤية الرائي ، والمدح لا يجوز ، لأنه يوقع في الشرك ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن شيءٍ إلا هو شر ، وفي حديث أن رجلاً مدح شخصاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : " ويحك قطعت عنقه " .
وذِكْر الرياء ، تفسير للبعض وليس للكل ، لأنه الغالب عليه ، ولأنه يكون بالقول وبالفعل وبالنية .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وهو يدعو من دون الله ندّاً دخل النار ) .
هذا عامٌ في أن دعوة الند يدخل فيها الشرك الأصغر والأكبر .
وإذا كان الشرك أصغراً ، فإن صاحبه لا يخلد في النار ، وإنما يُطهر ثم يخرج .
ولمسلمٍ عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من لقي الله لا يُشرك به شيئاً دخل الجنة . ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ) . لقي الله : يقصد به الموت . وملاقاة الله جل وعلا ، يُقصد بها ملاقاة الله عز وجل للمجازاة ، وفي ضمنها من الرؤية والخطاب . وكل لقاء جاء في الحديث والقرآن فهو يتضمن الرؤية ، لهذا جاء في حديث علي المتفق عليه " ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان " .
قوله " شيئاً " : نكرة عامة ، ويدخل فيه كل ما صدق في اللغة أن يدخل فيه . فيه مسائل :
الأولى : الخوف من الشرك .
الثانية : أن الرياء من الشرك .
الثالثة : أنه من الشرك الأصغر .
إذا كان يسيراً ، وإلا فهو من الشرك الأكبر ، كأن يطرأ عليه ، ويدفعه . وحد اليسير : أن يكون كالخاطر ، أي أن يكون مغموراً بقدرٍ لا يُلتفت إليه .
الرابعة : أنه أخوف ما يُخاف منه على الصالحين .
الخامسة : قرب الجنة والنار .
دخول الجنة ؛ رُتِّب على عدم وجود الشرك مطلقاً ، ودخول النار رُتِّب على وجود الشرك ، ومعنى القرب : أن عمر الإنسان قصير ، وليس قرب الجنة أنها قريبة منك .
السادسة : الجمع بين قربهما في حديث واحد .
السابعة : أنه من لقيه لا يُشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ، ولو كان أعبد الناس .
فليس له من عمله إلا التعب ، وغالباً ما يكون هذا من أهل البدع .
الثامنة : المسألة العظيمة ، سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام .
لأنه هو الذي كسرها ،فأُلقي في النار ، ولهذا سأل الخليل عليه السلام ربه ، وأشرك بَنِيه في الدعاء ، وهو السنة .
التاسعة : اعتباره بحال الأكثر ، لقوله : " رب إنهن أضللن كثيراً من الناس " .
العاشرة : فيه تفسير " لا إله إلا الله " كما ذكر البخاري .
لا : نافية للجنس ، إله : نفي للتأله ، إلا الله : إثبات الأولوهية لله .
لأن نفي الشرك يثبت الإخلاص ، والنفي نفي عام شامل ، والإخلاص كذلك .
الحادية عشرة : فضيلة من سَلِم من الشرك .
أخذه من قوله تعالى : " والذين هم بربهم لا يُشركون " .
--------------------------------------------------------------------------------
س : يُقال أنه إذا أكثر عليه الترهيب من الرياء ، فإنه قد يقع فيه ؟
ج : هذا القول باطل ، بل يجب استحضار الخوف من الرياء .
الروابط المفضلة