قصة وعبرة


في معهد تدريس اللغة الإنكليزية وفـي مــادة تقدم لتطوير القدرة على الكلام تحلق الطلاب الأجانب من عرب وآسيويين ومن جنوب أمـريـكــا حــول المدرس الذي بدأ حديثه بإعطاء وصف لطريقة تقديم الكلمة أو الخطبة، وضرورة البداية بكـلـمـة جامعة تلمح إلى الموضوع، ثـم الـدخول في تحديد واضح له ثم إعطاء فكرة عن موقف المتكلم مـن القـضـيـة التي يريـد نقاشهـا، ثـم عـنـاصـر الـموضوع وسرد الأفكار وأدلتها. وكان موضوع الحديث: الكلام عن الخمر وأضرارها الشاملة للفرد والمجتمع، ومع المدرس الكتاب المنهجي الذي يساعد على طريقة التدريس، وفيه مـثـال كـامل للكلمة المطلوبة، وفيه أدلة إقناع بأخطار الخمر حيث تسبب موت مئات الآلاف من الناس، وتكاد تكون السبب الأول للموت في أمريكا من حيث الأسباب المباشرة لحوادث السـيارات أو الموت البطيء ؛ لما تسببه من أمراض عصية تُميت ببطء. وبدأ المدرس درسه أو كلـمـته في الموضوع وبحماسة ظاهرة لأخطار هذا المرض، واتبع الأسلوب المطلوب في العرض وكان مقتنعاً بما يقول.
ثم أمر الطالب الأول بالحديث عـن الخـمــر حيث تحدث طالب مسلم مؤكداً فكرة المدرس وأن الخمر مفسدة للحياة مدمرة للخلق ولم يزد عـما قاله المدرس لضعفه في التعبير عن رأيه ولأنه مبتدئ في تعلمه الإنكليزية. ثم تحدث بعده طـالــب مسلم آخر وقرر ما سبق أن قرره الأستاذ والطالب الأول، وكان هدفه مجرد الكلام ليتمرن على الإنكليزية لا للإقناع ..
وفجأة وقبل انتهائه من حديثه انفجر المدرس غضباً واحمــر وجـهـه بـمــا يشير إلى سخط عظيم وقال: إنكم تتحدثون عن الخمر وفساده بعاطفة دينية ولا تناقشون القـضـية بأسلوب عـلـمـي، إن الـدافــع الـديـنـي يحرككم لهذا الموقف الغريب الخاطئ تجاه الخمر وشربها وموقفكم من الخمر خطأ فادح حـيـث الخمر مفيدة للصحة، وطبيبي الخاص ينصحني بأن أشرب كأساً من الخمر على كل عشاء! فما كان من الطلاب إلا أن التقت أبصارهم يتبادلون ألحاظ السخرية والاحتقار لهذا الـمـدرس الغـبي الحاقد الذي كذّب العلم والعقل والكتاب الذي يقرؤونه وكذب نفسه أخيراً في حديثه الافـتـتاحي عن مصائب الخمر، وكذب تاريخ أمريكا وتاريخ البشرية كله بما سجل عن هذا الشر العريق. والسبب الذي دفعه إلى هذا أن الطالبين كانا مسلمين يبدو عليهما التدين الذي يدرك الـمدرس علائمه من سلوكهما المترفع من بين طلاب المعهد، ويدرك أنهما يكرهان الخمر ويحتـقــران أهلها لأن الله حرمها. وأما العلم والعقل فقد حرمها وحرمتها أمريكا سنة 1930 فلم تسـتـطع التنفيذ وتحولت البيوت إلى مصانع للخمور وكثر القتلى والمسجونون والمطاردون بسببها.
لقد كان المدرس يريد من الجميع التأكيد على نقد الخمر ونقد السكارى، ولكن حين أحس بالنقد الآتي من الدافع الديني فقد عقله وتحول إلى شخص متناقـض مــن شــدة كـراهـيته للإسلام.
ليس الغريب أن يقـف هؤلاء هذا الموقف مما يخالف آراءهم ويثير تعصبهم ؛ ولكن الغريب أن يتأثر بهــذه الروح كثير من المسلمين الذين يقبلون النقد من جميع الجهات غير المسلمة ولا يقبلونه من إخوانـهـم فـي العقـيـدة، فتجد حرباً شعواء تعلن على من يلفت نظرهم إلى أخطائهم وعيوبهم من المسلمين الذين يستشهدون بـ "قال الله، وقال رسوله