بسم الله الرحمن الرحيم
س : كَثُرَ في هذه الفترة السب والطعن في العلماء الكبار ، والحكم عليهم بالكفر والفسق لاسيما بعدما صدرت بعض الفتاوى في التفجيرات ، وأن عند علمائنا ضعفاً في الولاء والبراء ، فأرجوا أن توجهوا لنا نصيحة في هذا الموضوع ، وما حكم الرد على الشاب القائل بهذا ؟
جـ / على الجاهل أن لا يتكلم ، وأن يسكت ويخاف الله عزوج ، ولا يتكلم بغير علم ، قال الله تعالى { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } الأعراف 33
ويلٌ لمن يطعن في علماء الأمة - إذا لم يتب - ، علماء السنة ورثة الأنبياء ، فإذا لم نثق بعلمائنا الأكابر ونُجلهم ، ونحترمهم ، ونتعلم منهم ، فممن نأخذ العلم ؟!! أمِنَ الرؤساء الجهال الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم .
قال معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : " الواجب على كل مؤمن أن يحذر أتم الحذر من أن يقول بلا علم ويجترئ على ما ليس له به حجة ، سيما في مسائل الإعتقاد ومسائل الإيمان والتكفير ومسائل الحلال والحرام ، ومن أعظم ما وقع في الأمة من الانحراف عن الحق تكفير المسلم الذي ثبت إسلامه ، وعدم ستبيان منه ، وفي عهد عثمان رضي الله عنه ظهر هؤلاء الخوارج ، وكان أساس انحرافهم هو نظرهم في ان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لم يقم بما أوجبه الله عليه ، فمنهم من كفره ، ومنهم من أوجب قتله ، وكفروا علياً رضي الله عنه ، وهكذا سادات الأمة كفرهم معارضوهم .
والتكفير معناه : الحكم بالخروج من الدين ، والحكم بالردة .
والحكم بالردة على مسلم ثبت إسلامه ؛ لا يجوز إلا بدليل شرعي يقيني بمثل اليقين الذي حصل بدخوله في الإيمان ، وما ذكره السائل بقوله : إن العلماء الكبار كفار . هذا من الخطر العظيم ، لأن العلماء الكبار يبينون الحق ، وإذا اتهمهم أحد أو رماهم بالكفر لأجل تبينهم الحق فلا يعني أن رمي الرامي موافق للصواب ؛ بل جناية على نفسه ، ويجب أن يؤخذ على يده وأن يعزر تعزيراً بليغاً من قبل القضاة .
وعلى كثرة ما جاء من بحوث في هذه المسائل من قديم ، من وقت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ، والشيخ محمد بن عثيمين - رحمهما الله - وكثرة ورود هذه المسائل ، لكن نخشى أن يكون المنهج التكفيري يمشي في الناش والعياذ بالله ، و الخوارج سيبقون ومعتقداتهم ستبقى ، والناس - إن لم يتداركوا أنفسهم - قد يكون فيهم خصلة من خصال الضلال إن لم يحذروا من ذلك .
فالواجب علينا جميعاً : أن نحذر ونتنبه إلى الحق ، وأن نتواصى به وأن نكون حافظين لألسنتنا من الوقوع في ورثة الأنبياء وهم العلماء " كتاب : " الفتاوى المهمة في تبصير الأمة " .
فلا يجوز للجاهل أن يتكلم في مسائل العلم ولا سيما المسائل الكبار مثل التكفير وأيضاً الغيبة والنميمة والوقيعة في أعراض ولاة الأمور ، والوقيعة في أعراض العلماء ، فهذه أشد أنواع الغيبة ، نسأل الله العافية !!
فهذا الأمر لا يجوز . وهذه الأحداث وأمثالها من شئون أهل الحل والعقد ، هم الذين يتباحثون فيها ويتشاورون ، ومن شئون العلماءفهم الذين يبينون حكمها الشرعي .
أما عامة الناس والعوام والطلبة المبتدئين فليس هذا من شأنهم ، قال الله - جل وعلا - { وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إله الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لَعَلِمَهُ الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } النساء 83 . فالواجب إمساك اللسان عن القول في هذه المسائل ، لا سيما التكفير ، ولا سيما الولاء والبراء .
الإنسان قد يحكم على الناس بالضلال والكفر وهو مخطئ ، ويرجع حكمه عليه ؛ لأن الإنسان إذا قال لأخيه : يا كافر ، أو فاسق . وهو ليس كذلك رجع ذلك علي والعياذ بالله .
أخرج البخاري في صحيحه : (5753) وغيره من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أيُّما رجل قال لأخيه : يا كافر . فقد باء بها أحدهما )) .
الأمر خطير جداً فعلى كل من يخاف الله أن يمسك لسانه ، إلا إن كان ممن وُكِلَ إليه الأمر وهو من أهل الشأن بأن يكون من ولاة الأمر أو من العلماء ، فهذا لابد أن يبحث في هذه المسألة .
أما إن كان من عامة الناس ومن صغار الطلبة فليس له الحق في أن يصدر الأحكام ، ويحكم على الناس ويقع قي أعراض الناس وهو جاهل، ويغتاب وينم ويتكلم في التكفير والتفسيق وغير ذلك ، فهذا كله يرجع إليه ،ولا يضر المتكلم فيه ،وإنما يرجع إليه .
فعلى المسلم أن يمسك لسانه ، وألا يتكلف مالا يعنيه وأن ينصرف للعلم الشرعي والاجتهاد في تحصيله ، الذي هو حياة القلوب ، ورفعة للعبد في الدنيا والآخرة ، قال الله عزوجل : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }
أخرج مسلم في صحيحه : (2699) من حديثأبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة )) . والعلم يحجز صاحبه عن الوقوع في المخالفت الشرعية ، واتباع الهوى وطرق الشيطان .
قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول :" إن أقواماً ابتغوا العبادة ، وأضاعوا العلم ، فخرجوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك "
وقال وهب : " كنت بين يدي مالك بن أنس فوضعت وقمت إلى الصلاة ، فقال : ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي تركته " . يعني العلم . مفتاح دار السعادة : ( 1/119-120)
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : " عليكم بالعلم ، فإن طلبه عبادة ، وتعلمه لله حسنة ، وبذله لأهله قربة ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، والبحث عنه جهاد ، ومذاكرته تسبيح " الديلمي : (2/41)، فتاوى ابن تيمية : (4/24)
والله هذا هو الواقع اليوم ، الآن رؤوس جهال يتكلمون* بأحكام الشريعة ، ويوجهون الناس ، ويحاضرون ويخطبون وليس عندهم من العلم والفقه شيئ ، إنما عندهم تهريج ، وتهييج ، قال فلان وقال فلان ، شغلوا الناس بالقيل والقال .
ومع الأسف يسميهم الناس علماء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، في حين لو تسأله عن نازلة من النوازل أو حكم شرعي فإنه لا يستطيع أن يجيبك بجواب صحيح ، لأنه يقول : هذا ليس بعلم ، العلم هو الثقافة السياسية وفقه الواقع ، فحُرموا العلم والعياذ بالله ، نسأل الله العافية .
الروابط المفضلة