عدي ابن حاتم
كان كوسيّا، وهم فرقة مترددة بين النصارى والصابئين· ولما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد وطئت أطراف بلادهم فر بنفسه، فلحق بالروم، وترك أخته في الحاضر، فسبيت مع نفر كثير من قومها· فلما قدموا بهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قامت إليه ابنة حاتم فقالت: يا رسول الله: ذهب الوالد وغاب الوافد فلا تُشمت بي أحياء العرب، فأنا ابنة من كان يكرم الضيف، ويفك العاني ويعطي السائل· فقال: من أبوك؟ قالت: حاتم الطائي· فقال صلى الله عليه وآله وسلم: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، قالت: ومن معي؟ قال: ومن معك· وكانوا تسعمائة·
ثم كتبت إلى أخيها عدي تلومه في فعله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في شعبان سنة تسع، فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرح بإسلامه، ثم ثبت على إسلامه وثبّت الله قومه فلم يرتد أحد وقت الردة·
شهد عدي فتوح العراق مع سعد، وسار مع خالد بن الوليد إلى الشام، وشهد كثيرا من فتوحها· أرسل معه خالد بن الوليد الأخماس·
وشهد مع علي بن أبي طالب حروبه، وفقئت عينه يوم الجمل وقتل ابنه· وكان عدي شريفا فاضلا جوادا عابدا· روي أنه قال: ما دخل علي وقت صلاة إلا وأنا مشتاق إليها· وكان يفت الخبز للنمل ويقول: إنهم جارات ولهن علينا حقوق· ومن كلامه: كثرة الكلام أوضع شيء لمقادير الرجال، وأمضى الأشياء عندي رد السؤال بغير نوال·
ورد في الصحيحين ما معناه أنه قدم على عمر بن الخطاب فرأى منه جفاء في العطاء والبشاشة ولم يلحقه بنظراته، فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتعرفني؟ فضحك عمر ثم قال: نعم والله إني لأعرفك، أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذ أنكروا وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وإن أول صدقة بيّضت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة طيء حيث جئت بها·
وأخذ يعتذر منه في فعله لأولئك· فقال عدي: فلا أبالي إذن·
قال ابن قتيبة: وكان عدي طويلا إذا ركب تخطّ رجلاه الأرض· نزل عدي رضي الله عنه الكوفة ومات بها زمن المختار بن أبي عبيد الكذاب· وكان جرى بينهما تناكر وهمّ بالخروج عليه فعجّزه الكبر والضعف· وأشيع أنه دعا عليه· وقيل مات بقرفيسا سنة ثمان وستين عن مائة وعشرين سنة· ولم يبق له عقب إلا من قبل ابنتيه عمرة وأميرة· وقيل له عقب من قبل ابنه عبد الله وهم ينزلون كربلاء بالعراق والله أعلم·
الروابط المفضلة