قالت وفي عينيها دمعات حارة من شدة وجدها: لماذا ؟! لماذا؟! أريد أن أتعلم مثلكن, أريد أن اخدم الإسلام بعلمي, أريد أن أكون ممن تعلم القرآن وعلمه. ربتت أفنان على كتفيها قائلة لها: وما المانع أختي امتنان من التحاقكِ بالتحفيظ فهو نقطة البداية لتحقيق أهدافك. أجابت امتنان بصوت يملؤه الشجن : تعرفي أن أبي لن يسمح لي بذلك ولا استطيع مخالفة أمره . أنت تعلمي اخيتي أن أبي يكره الصالحين والملتزمين ولذلك فهو يمنعني حتى من لبس الخمار خوفا علي من أن التزم . هل تذكري أختي اليوم الذي اتفقنا فيه على زيارة معلمة القرآن وفي أخر لحظة اعتذرت لكِ بدون إبداء الأسباب ؟ !
أفنان: - أوه... نعم اذكر ذلك اليوم .
امتنان: - إن الذي منعني من الزيارة هو والدي لأنه علم أنها معلمة القرآن ولذلك منعني. هذا أبي وانأ اعرفه
أن الالتحاق بالتحفيظ شبه مستحيل ولكني والله احترق شوقا إلى الالتحاق بالتحفيظ فماذا افعل ؟ وبماذا تنصحيني ؟فو الله ماعلمتكِ إلا خير أخت وخير صديقة ودائما ما تكون مشورتكِ في محلها فأشيري عليّ نور الله لكِ بصركِ وبصيرتكِ .
- أفنان : - تعلمين أختي أني احبكِ وما أحببتك إلا في الله ولله ولا استطيع نسيان الأيام التي قضيناها مع بعضنا على مقاعد الدراسة في ذكر الله والتناصح والتعاون على البر والتقوى ولذلك فاني سأقول لك بضع كلمات علمنا إياها الحبيب المصطفى يقولهن كل من أصيب بمصيبة قولي يا أختي : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . وصدقيني ستجدين الفرج والمخرج قريبا بإذن الله وإذا كانت نيتكِ صادقة وعزمك وارادتكِ قويين لدخول التحفيظ فما عليك إلا قيام الليل وصلاة ركعتين تدعين الله فيهما أن يحقق لكِ ما تؤملينه .
واعلمي أن طلب العلم واجب وطاعة الوالد اوجب ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . المهم أختي اطمئني وأطيعي أمر والدكِ ولا تخافي فلن أنساك ولن أتخلى عنكِ سأزورك دائما وأعلمك ما تعلمته في التحفيظ . المهم أن توعديني انكِ لن تنسي أخوتنا والعهد الذي كنا عليه من الاجتماع على الذكر والتفرق على طاعة الله حتى يظلنا الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله
امتنان: - أوعدك أختي وأعاهد الله قبل ذلك أن أبقى على العهد ماستطعت إلى ذلك سبيلا .
طبعا هذه الأحداث كانت في أخر يوم من امتحانات الشهادة الثانوية والحوار كان بين أختين تحابتا في الله, وبعد هذا الحوار قبلت إحداهما الأخرى قبلة حارة وتفرقتا كلا منهما إلى سبيلها.
مضت الأيام سريعا وبدأت أفنان دراستها في التحفيظ وقد كانت فرحة وسعيدة بالتحاقها بهذا الصرح الشامخ وعندما يسألها احد عن رأيها فيه ترد عليه بقولها: لقد وجدت حياتي الروحية في هذا المكان الطاهر.
أما امتنان فقد كانت في البيت لا تدري كيف تتصرف مع والدها حتى تقنعه برغبتها الشديدة في حفظ كتاب الله .
في يوم من الأيام وبعد مضي أسبوعين على أفنان في التحفيظ ,,,, تصل إلى باب التحفيظ لتجد أختها في الله امتنان منتظرة لها !!! لم تصدق عينيها , فرحت فرحا شديدا وظنت أن حبيبتها في الله قد جاءت زيارة إلى التحفيظ تعانقتا وتحدثتا فكانت المفاجاءة التي لا تستطيع أفنان استيعابها وفهمها ..................
لقد وافق والد امتنان أخيرا على التحاق ابنته بالتحفيظ !!! ولكن كيف وهو عصي الدمع ؟! معاند ويكره الصالحين والملتزمين وحفاظ كتاب الله ؟.....
تقول امتنان :- مرت عليّ هذه الأسبوعين وكأنها سنتين ولكني والله كنت أدعو الله دائما أن لا يخيب رجائي وان لا يحرمني من تعلم كتاب الله ودعوته بأنه مقلب القلوب وانه من يقول للشيء كن فيكون بان يغير رأي أبي ويجعله يوافق على دراستي في التحفيظ . نعم ... لقد دعوت الله كثيرا ولم أمل ولم استعجل فجاء الفرج من الحي القيوم فقد تفاجئت بابي بالأمس وهو يخبرني بأنه موافق على التحاقي بالتحفيظ على أن أحفظ القرآن فقط أي دون فهم تفسيره أو سماع مواعظ مستنبطة منه لأنه خائف علي من تأثير الصالحين المتشددين على حد تعبيره . شرط أبي كان غريبا ولكني قبلت وقلت في نفسي أن الذي جعله يغير رأيه في التحاقي بالتحفيظ قادر على أن يجعله يغير رأيه في هذه المسالة وسالت أبي عن سبب تغيير رأيه فقال لي أن رجلا اخبره بان الابن أو البنت الذي يحفظ كتاب الله سيلبس والديه تاج الوقار يوم القيامة . من هنا علمت أن أبي فيه خير كثير وانه على أن لا افقد الأمل في رده إلى الطريق الصحيح وانه باستطاعتي أن اجعله يسلك طريق الملتزمين الذي يكرهه الآن .
أفنان التي كانت تستمع لهذا الحديث مسحت دموع الفرح ولهجت بالحمد والشكر لله .
مرت فترة بسيطة على دراسة أفنان وامتنان في التحفيظ حيث وفّت امتنان بشرط أبيها .ثم انه سمح لها بعد ذلك بدراسة التفسير وحضور حلقات العلم وسماع المواعظ وخلال ستة أشهر ختمت امتنان كتاب الله حفظا واجتازت الامتحان بتقدير ممتاز جدا وحصلت على المركز الخامس في دولتها بين الحفظة والحافظات وكرمت من فبل كبار المسؤلين في الدولة وواصلت مسيرتها التعليمية حيث أخذت الإجازة بالسند على أيدي ثلاثة من اكبر المشايخ على المستوى العربي والآن تدرس القراءات السبع لتصبح علما من أعلام الدين إن شاء الله . والاهم من ذلك أنها استطاعت تغيير أسرتها وتحويلهم من طريق الانحراف والاستهزاء بالصالحين إلى الطريق القويم والصراط المستقيم .
نعم...
لقد حققت كل هذا بفضل الله أولا ثم بفضل صدق نيتها وقوة إرادتها وحسن أخلاقها وصبرها . ومن يصدق الله يصدقه
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى وثبتنا على الصراط المستقيم انه ولي ذلك والقادر عليه .
والآن ما رأيكم في هذه الفتاة ؟ وما هي أهم الصفات التي أعجبتكم فيها؟
طبعا القصة حقيقية وقد عاصرت أحداثها بنفسي .