بسم الله الرحمن الرحيم
الإسراء والمعراج"الأولي "
جامع المصطفي : المنصورة : 18/8/2006 م
الحمد لله العلي الأعلى سبحانه مولي دان له كل مولي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . أحمد الله وأشكره أتوب إليه واستغفره وأستعين به وأستنصره وأساله من نعمه التي لا تحصي . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان خير من نصح أوصي . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير .يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين يشيد بعظمة نبيه الأمين ورسوله الكريم " بسم الله الرحمن الرحيم" سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "
عباد الله أيها المسلمون :
إنه والله لحدث عظيم إسراء رسول الله صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى بفلسطين حدث يذهل الألباب ويدهش العقول ويحير النفوس ويبعث التساؤل .
ماذا عسي أن تفعل الأهواء وضح الدليل وصحت الأنــــــباء
وضح الدليل فلا ينال توهم منهم ولا يلقي إليه مــــــــــــراء
يتساءلون وحق أن يتساءلوا في النوم أم في اليقظة الإسراء
إسراء أحمد لحظة من برزخ طويت لها الأبعاد والآنـــــــــاء
لا تسألن الدهر عنه فقد عني لله يفعل فيه كيف يشــــــــــــاء
هذا هو النور الذي فخرت به بدر التمام الليلة الليـــــــــــــلاء
إنه والله لحدث عظيم رؤية رسول الله صلي الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالي ميزة لا تنال وخصوصية تكاد تكون المحال سألها موسى عليه السلام فكان من أمره ما كان " ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " وسألها قوم موسى عليه السلام فصعقوا وعنبوا أكبر تعنيب " وإذ قلتم ياموسي لن نؤمن لك حتى نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثنا كم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " وعرض بذلك سلطان العاشقين عمر بن الفارض رحمه فقال يخاطب رب العزة سبحانه وتعالي : زدني بفرط الحب فيك تحيرا وارحم حشا بلظى هواك تســعرا
وإن سألتك أن أراك حقيقة فاصفح ولا تجعل جوابي لم تـــــر
وعرض بذلك الإمام البوصيري رحمه الله فقال يخاطب رسول الله صلي الله عليه وسلم :
كيف ترق رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سمــــــــــــاء
لم يدانوك في علاك وقد حـــال سنا منك دونهم وســــــــناء
إنما مثلوا صفاتك للناس كما مثل النجوم المــــــــــــــــــــاء
لذلك كان حريا أن تفتتح هذه الآية بسبحان الله . بتقديس الله سبحانه وتعالي الذي له قدرته البارعة في تصريف عوالمه الواسعة الشاسعة . تقديسا يتطابق فيه القول والفعل تقديسا يتوافق فيه الأثر والعين تقديسا ينزه الله تعالي عن الريب والشبهات " قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلي ذي العرش سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا "وتصح الحكمة القائلة أعددت لكل أعجوبة سبحان الله ولكل نعمة ما شاء الله لا قوة إلا بالله . سبحان الله عجبا أن يقطع سار من المسافات في بضع ساعات بل في لحظات أو هنيهات مالا تقطعه الإبل الراشدة في شهرين كاملين فضلا عن عروجه إلى السماء سماء سماء ثم إلى الكرسي ثم إلى العرش ثم إلى حيث لا يعلم علمه إلا الله " ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما يعلمون " . حق أن تعجب أيها الإنسان عجبا يزيدك اعتقادا في قدرة الله عجبا يملؤك إيمانا بقول الله " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " .
ماتت خديجة وهلك أبو طالب وسمي رسول الله صلي الله عليه وسلم عام موتهما عام الحزن واشتد الإيذاء برسول الله صلي الله عليه وسلم فخرج من مكة يعرض نفسه علي القبائل المجاورة لعله يجد من يأخذ بيده ليبلغ رسالة ربه فقوبل بالتهكم والاستهزاء ورد بالإهانة والإباء فما كان ليحزن وما كان ليستكين وقد صور لنا هذا المشهد العظيم قول القائل :
لقد رمي الهادي الحبيب محمد بأفتك سهم في صميم سويــــــــــــداء
لقد نال منه الحزن أعتي مناله بفقدانه كفئين من خير أكفــــــــــــــاء
فراح إلى الأحياء يعرض نفسه عسي أن يفوز منهم بوقــــــــــــــــاء
فرد بسخر لاذع وتهكم مشين وازدراء مهين وأقبح إيـــــــــــــــــذاء
فراح إلى الرحمن يشكو ويرتجي بمقلة بكاء وراحة دعــــــــــــــــــاء
يقول إلهي أنت لي من مجبه يقابل إحساني بأقبح أجـــــــــــــــــــواء
وما كان رب الورى وهو كفيله ليتركه يشكو الأسى دون إشجــــــاء
فسل من الأعماق سل همومه وصب علي نار الأسى قصد إطفـــــــاء
لنعلم أن لا عز دون مذلة ولا صبح إلا بعد ليل وظلمــــــــــــــــــــاء
من أجل ذلك الله أسري بعبده وأطلع إصباح الرضا بعد ليل وإمساء
عباد الله أيها المسلمون: ذهب بن حزم وبن عبد البر وبه جزم النووي في الروضة أنه في ليلة السابع والعشرين من شهر الله رجب سنة اثنتين وخمسين من عمر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو نائم في بيت أم هاني بين عمه حمزة والعباس رضي الله عنهما هبط عليه جبريل الأمين في طائفة من الملائكة المقربين فأيقظوا النبي صلي الله عليه وسلم في هدوء وسكون واحتمل الملائكة الكرام محمدا عليه الصلاة والسلام حيث جاءوا به زمزم ثم شقوا عن صدره المعظم وملؤه بالعلم واليقين والنور ليقوي علي مشاهدة مافي هذه الرحلة من عظائم الأمور ثم أطبقوه كما كان . ثم جيء بالبراق مسرجا ملجما فأركبوا النبي مفخما معظما وأخذ بالركاب جبريل وتولي الزمام ميكائيل وطار البراق وسط الرفاق يسابق بحافره منتهى ناظره وما هو إلا قليل من الوقت حتى وصلوا إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه السميع البصير . وهناك أطلعه الله من مكنوناته علي ما نطقت به محكمات آياته صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون . وهناك جمع الله له الأنبياء والمرسلين فصلي بهم إماما أجمعين و بعد الصلاة عطش رسول الله صلي الله عليه وسلم فأسرع جبريل في غمضه العين فأحضر خمرا ولبنا في إناءين مختلفين فاختار اللبن لأول مرة فقال له جبريل أصبت الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ثم جيء بالمعراج فانتصب مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب فعرج فيه رسول الله إلى السبع الطباق ثم إلى سدرة المنتهي حيث وقف جبريل السير وانتهي فعاتبه ليسلك سبيله أهاهنا يترك الخليل خليله فقال له تقدم يا محمد والذي نفسي بيده لو أنك تقدمت اخترقت ولو أني تقدمت احترقت وما منا إلا له مقام معلوم وصدق من قال :
هناك جثي جبريل واحتبس الخطا وقال وداعا يا أعز الأخــــــــــلاء
فعاتبه أن يترك الخل خله وأنحي عليه دائما كل إنحــــــــــــــــــــاء
فناداه جبريل الأمين يحثه ويدلـي إليه العذر أكرم إدلاء
محمد يا خير الورى أدن واخترق حجاب السنا لا تخشى أية أجواء
هذا مقامي لست أعدو حدوده وكل مليـــــــــــــــك ذو حدود وأجواء
بربك لو أني تقدمت خطوة لصرت شعاعا واحترقت بأضـــــــــــواء
ثم زج به إلى الكرسي الذي وسع الأرض والسماوات العلي ثم إلى العرش الذي تمتثل له العوالم امتثال أصغر حلقة إلى أوسع فلك ثم إلى المستوي الذي سمع فيه صريف الأقلام وهي تخط حوادث الأكوان علي صفحات الأيام ثم زج به في بحار لا نهائية عميقة حيث عاين ربه كما جاءت به الأخبار الوثيقة عاين بلا كيف ولا انحصار من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ثم زج به في اللانهائية التي تناهي النهي عن وصفها دون إنهاء وشاهد بين الحق والنور والهدي مشاهد لا تغني بإنسان سوداء رأي ربه بالعين والقلب والحجا رأي النور لا يقوي علي وصفه رائي روي البيهقي رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلي الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ فقال نورا أني أراه وفي رواية الإمام مسلم رأيت نورا . وصدق من قال :
أسري بك الرحمن من أم القري ليلا تؤو علي البراق الشامــــا
وتجمع الرسل الكرام جماعة بالمسجد الأقصى فكنت إمامـــــــا
ورقيت في السبع الطباق وجبتها لتجوز سوق العرش الأسناما
فإذا العوالم منك أصغر حلقة في قيعة جنباتها تترامــــــــــــــي
ورأيت ربك رؤية بصرية لا فهم يدركها ولا إفهامــــــــــــــــــا
فرض الإله عليك خمس فرائض وكساك أثواب الرضا إكرامــا
طفت العوالم رحلة ميمونة وسعت عجائبه الورى أقلامـــــــــا
ورجعت لم يبرد منامك .. يالها لحظات ليل مثلت أعوامــــــــــا
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن قدرة الله لا يستعصي عليها شيء ولتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما . روي الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماوات العليا أوحي الله فيما أوحي إلى خمسين صلاة فهبط إلى نبي الله موسي فسأله ماذا انزل الله عليك قال خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فما زال بين موسي وربه حتى قال له الله ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد هي خمسون في الأجر خمس في العمل فنزل إلى موسي قال ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فقال لقد راجعت ربي حتى استحييت أن أراجعه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
الثانية :
يقول الله " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " هنا يعبر الله عن الإسراء والمعراج أنها كانت رؤيا أي أنها كانت بالروح وفي المنام وفي الآية التي في صدر السورة عبر "بعبده " أي بجسد عبده وبمجموع الآيتين يكون الإسراء بالروح والجسد معا وهي معجزة من المعجزات التي أيد بها رب العزة رسوله صلي الله عليه وسلم والتي لها مقدماتها ونتائجها فمن مقدماتها أنها كانت تسلية لرسول الله صلي الله عليه وسلم لما مات عمه وزوجته وأوذي بعدها ممن عرض نفسه عليهم . ومن نتائجها إنها كانت فتنة للناس ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة فعن بن عباس رضى الله عنهما قال لما كانت الليلة التي أسري فيها برسول الله صلي الله عليه وسلم اصبح الرسول معتزلا حزينا يجلس في ظل الكعبة فمر عليه عدو الله أبو جهل فقال له هل عندك شي فقال اسري بي الليلة قال من أين إلى أين قال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قال وأصبحت بين ظهرانينا فقال له لو جمعت لك الناس أتحدثهم بهذا الحديث فقال نعم فجمع له القوم فحدثهم فقالوا له صف لنا بيت المقدس قال الرسول فوصفت لهم البيت بابا بابا وشباكا شباكا حتى التبس عليه الوصف فأحضر له جبريل بيت المقدس علي كفه فوصفه وكان من القوم من رأي بيت المقدس وعرفه فمنهم من صفق ومنهم من وضع يديه علي قلبه ومنهم من ارتد فذهبوا إلى أبي بكر فقصوا عليه الخبر فقال إن كان قال ذلك فقد صدق فهو يحدثني بما هو أكبر من ذلك فأصدقه يحدثني بخبر السماء يأتيه ومن هنا سمي أبو بكر بالصديق .