ابني .. يا ابن الإسلام ..
هناك معالم لابد من مراعاتها لتعيش الإسلام ، وتكون ابن الإسلام :
أولها : العلم الصحيح ، والتربية الصحيحة .
ثانيًا : إنَّ مصدر الهداية الوحيد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سلفنا ، والهدى هدى الله .
ثالثًا : عقيدة السلف قواعد وضوابط تعصم من الخطأ ، وتبعث على العمل ، وتجعل المسلم قوة حية متحركة عاملة .
رابعًا : إحياء الإخلاص والإحسان ، وفقه القلوب ، وتعميق الصلة بالله ، وتعويد النفوس على الحياة في معية الله ، والتدريب على ممارسة السلوك الإيماني في عالم الواقع.
خامسًا : تعميق الإيمان باليوم الآخر ، وتأصيل يقين أن العيش عيش الآخرة ، وأن الدنيا متاع زائل لا يساوي جناح بعوضة .
سادسًا : البصيرة من ألزم اللوازم ضرورة لا غنى عنها ، لتخترق الغَبَشَ الكثيف ، الذي أحاط بالإسلام وحقائقه .
سابعًا : توسيع مفهوم العبادة ، حتى لا تعود طقوسًا ومزامير تتلى فقط في المذابح .
فلتفهم ابني الحبيب اللبيب أن العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وفروض الكفايات قد لا تقل بحال عن فروض الأعيان إذا حسنت النية وتم الإخلاص ، ولذلك فإن حاجتنا إلى كوادر تحمل العلوم الشرعية وتعيها جيدًا ، وتستوعبها جيدًا ، وتعمل بها جيدًا ، وتدرسها جيدًا ، هذا هو الإحسان .
فهي تحمل العقيدة بين ضلوعها بأصولها وفروعها وأدلتها ، وتحمل الفقه أصوله وقواعده وفروعه بين عيونها ، حتى تبلغ درجة الاجتهاد ، فلابد إذًا في العلوم الشرعية من التخصص والمثابرة ، نحتاج إلى كوادر في الحديث ومصطلحه ، للوقوف أمام الهجمة الشرسة على السنة ، والذب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
نحتاج إلى جهابذة في اللغة لتأصيل المصطلحات الشرعية للغة الناس التي تنتقص من أطرافها.
يا ابن الإسلام ..
نحتاج إلى اطباء عباقرة يقومون بفرض الكفاية في الطب ؛ لأنهم حين يؤدونه دينا لا تجارة ، وحسبة لا كسبا ، يحمون صحة الأمة ووعيها ، قال الشافعي رحمه الله : (إنما ضيع المسلمون ثلث العلم بتضييعهم للطب ، وتركه لليهود والنصارى) .
نحتاج إلى مهندسين في كل فروع الهندسة ..
نحتاج إلى اقتصاديين يديرون حركة الاقتصاد الإسلامي ، بدلا من هذا الاقتصاد الربوي ..
نحتاج إلى أعلى التخصصات في نظم الإدارة والتخطيط ..
نحتاج إلى المزارعين الذين يكفوننا شر استيراد الخبز ولقمة العيش ..
نحتاج إلى تجار مهرة ، أمناء صادقين رحماء ، غير جشعين ، بل يتخذون هذه المهنة تدينًا ، فلا يبيعون ولا يشترون إلا النافع ، ويؤثرون مصلحة الأمة على المال وعلى الدنيا ، ويتقون الله في أرزاق الناس ..
وإلا .. فكيف تقوم الدنيا ؟؟؟
يا ابن الإسلام ..
إن فيك طاقات وطاقات نريد أن نوظفها ؛ لإحياء المجتمع الإسلامي في الواقع ، وشموله لكل جوانب الحياة ..
إننا نريد كوادر متخصصة في كل فنون الحياة حتى في علوم الغربيين ذاتهم ولغاتهم ..
إن الطريق إلى إقامة دولة الإسلام لا يتحقق بمجرد الأماني ، والطريق ليس مفروشًا بالورود والرياحين ؛ بل تعترضها عقبات جسام ، فلابد يا ابن الإسلام من بذل الغالي والنفيس من وقتك بإخلاص وصدق ، وتجرد وإنكار للذات ، فلا حسدَ ولا بغيَ ، ولا شحناءَ ولا بغضاءَ ، ولا كبرَ ولا غرورَ ، ولا تنافس على الرياسة وحب الظهور ؛ فإن من مداخل الشيطان إلى نفوس ذوي المواهب خاصةً فتنة الذات .. (فتنة الأنا) .
هكذا يتدسس الشيطان إلى النفوس ، فيجعل عند بعض الناس ذاته ونفسه مركز اهتمامه ، ومنطلق تحركه ، ولكن حين نكون متجردين لله ، لا تكون ذواتنا محور اهتمامنا ، بل ندفع الأجدر ، ونساعد الأقدر ، ونقدم الأعلم ، ونتواضع للأكبر ، قال الراهب للغلام : أي بني ، أنت اليوم أفضل مني ، بمنتهى الصدق والتجرد والموضوعية.
إننا حين حين نكون متجردين لله بالقدر الكافي لا يكون الولاء لأشخاصنا ؛ بل يكون الولاء للدين والمنهج .
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : ما صدق الله عبدٌ أحب الشهرة .
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله : قال لي سفيان : إياك والشهرة ، فما أتيت أحدًا إلا وقد نهاني عن الشهرة .
وقال سفيان الثوري رحمه الله : الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس ، وأول ذلك زهدك في نفسك .
وكان الحسن البصري رحمه الله إذا رأى أحدًا قال : هذا أفضل مني .
يا ابن الإسلام ..
لابد أن تتعلم ، لابد أن تعرف دينك وتتقنه ، لابد أن تتخصص وتتميز وتنطلق وتعلو همتك لنصر الدين ، وخدمة شريعة الله في الأرض ، وكل ذلك بإخلاص تام وتجرد كامل ، لله سبحانه وحده ، لا طلبًا للدنيا وشهواتها ، ولا طمعًا فيما في أيدي الناس ،
شعارك في ذلك : {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ} . [سورة الأنعام :162-163]
يا ابن الإسلام ..
إنك تحتاج إلى التواضع ، والتطامن ، والمسكنة ، وترك الأبهة والجاه ، وإياك والعجب والكبر ورؤية الأنا .
ثامنًا : إن العلماء الربانيين هم ورثة الأنبياء علمًا وخلقًا رفيعًا ، وشفافيةً روحيةً لا تجارىٰ ، هم أولو الحكمة والشهادة العادلة على الناس ، سائرون على قدم الأنبياء ، جئارون بالتضرع والدعاء .
العلماء العاملون الصادقون الربانيون الزهاد هم حاجة الأمة ، وحاجة الناس إليهم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، هم بناء الأمة ، وهؤلاء هم الذين يجبرون ضعف المسلمين ، ويقيمون الأمة من عثرتها ، ويعيدون لها عزتها ، وعلى أيديهم يشرق على المسلمين فجرهم ، ويمنُّ الله على الأمة بأن يجعلهم أئمة ، ويجعلهم الوارثين.
فلابد أن تكون يا ابن الإسلام أولهم وقائدهم ..
الروابط المفضلة