الرقية والرقــاة



أعجب من أناس يقفون كالسد المنيع بين المرضى وبين والذهاب إلـى الرقاة ، وكأن هذا المريض سوف يذهب إلـى ساحر أو كاهن أو مشعوذ ، ويدندن بعضهم ويزعمون أنه لا حاجة للمريض لأن يذهب لمن يرقيه ، ويكفي أن يرقي المريض نفسه أو أن ترقيه زوجته والزوج يرقي زوجته والأخ يرقي أخته ، وهذا سوء فهم ونظرة غير صائبة ورأي خاطئ ، فإن الأمراض التي تعتري النفس البشرية ليست بالمتشابهة ، والمرضى ليسو سواء في العمر والعلم والمعرفة . فهل من به عين خفيفة كمن هو مصاب بمس من شيطان متمرد؟ .



وإن في بعض الحالات يستخف الشيطان بعقل المريض فلا يرقي نفسه ولا يقبل أن يرقيه أحد من أقاربه ، وفي بعض الحالات يصرع الشيطان المريض ويغيب عن وعيه أو يضيق عليه صدره بمجر أن يهم بالصلاة أو قراءة القرآن أو ينوي أن يستخدم بعض العلاج التي تزعج الجن ، وفي بعض الحالات لا يستطيع أن يرقي المريض نفسه من شدة المرض .



ومن الناس من لا يعرف ما هي الرقية أو ماذا يقرأ ، ومن الناس من لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية. ومن الناس من يخشى الجن فضلاً عن حضور الشيطان على جسد المريض . ومن الناس من لا يعرف كيف يتعامل مع الجان إذا حضر . ومن الناس لو قرأ على مريضه لا يحسن التشخيص ولا يعلم من الذي يتحدث معه الجني أم المريض نفسه ، ولا يعلم إذا ما كان المريض مصاب بالمس أو السحر أو العين ، ومعرفة المرض نصف العلاج في الغالب .



وكثير من الناس لا يعرفون المنهج الذي ينبغي أن يتبعه في علاج المريض، وكيف يعرف الراقي إن لم يكن من أهل الخبرة والتجربة حضور الجان وانصرافه وصدقه من كذبه ؟.، وماذا لو حضر الجان على جسد المريض ( المريضة ) وتفلت وضرب القارئ وفعل به الأفاعيل . وأنا اسأل هل في رقية من به مس من الجان خطر على الراقي ..؟ .



أسئلة عامة لا يعرف الجواب عليها العوام من الناس عندما يرقون أنفسهم أو مرضاهم :

هل المريض مصاب بعين ، مس ، سحر ، مرض عضوي ، مرض عضوي بسبب العين أو السحر أو الجن ؟.



لو كان المرض مسحوراُ فهل السحر خارجي ( مدفون ، مرشوش ، منثور ، معلق على الأشجار .. الخ ) أو السحر داخلي ( مأكول ، مشروب ، مشموم ) ؟.



إضافة إلى الرقية ، ما هو علاج السحر الداخلي الذي هو سبب من بعد إذن الله تعالى في استفراغ السحر؟.



هل الشيطان مربوط في الجسد بسحر أو عين ؟ ، وهل شياطين السحر خارج الجسد أم داخل الجسد ؟.



ما هي الخطوات التي ينبغي أن يتبعها الراقي قبل الرقية وبعد الرقية من تحصين وإخراج التماثيل والصور .. الخ .



ماذا يقرأ من الآيات على من به عين؟ .



ماذا يقرأ من لآيات على من به سحر ؟.



ماذا يقرأ من الآيات على من به تلبس حقيقي؟ .



واختم القول بأنه ينبغي على المريض أن يرقي نفسه وأن يرقيه من يحسن الرقية من معارفه في حالات العين والأمراض العضوية .



أما في حالات السحر والمس المتمرد فينبغي للمريض أن يرقي نفسه إذا كان يستطيع ذلك وأن يذهب لمن يرقيه من الرقاة حتى يعينه وينفعه بخبرته وإرشاداته ورقيته من بعد إذن الله تعالى ، وانصح بأن لا يرقيه شخص أعزل من التحصين والذكر ، أو غير ملم في أمور السحر والسحرة والمردة والشياطين ومكرهم فإن في ذلك خطر على نفسه وأهله بل وعلى المريض نفسه ، ولا مانع أبداً من أن يرقي الزوج زوجته أو الأخ أخته أو أحد محارمه إذا كان عنده علم ودراية في الرقية .



ومن المؤسف أنه استغل بعض الرقاة القراءة الجماعية لمصالح شخصية وعلى رأسها التجارة ، أعني بيع الماء والزيت والعسل والحبة السوداء وبعض الأعشاب المركبة بأسعار مبالغ فيها ، إضافة إلى فتح الملف وتذكرة الدخول ، ومن القراء من تجاوز حد المبالغة في القراءة والنفث ، فمنهم من أوقف ( وايت ) ماء أمام المقر ينفث فيه بعد الرقية ويبيع الماء بالكميات ، ومن الرقاة من ينفث على العلب المغلقة والأوعية الكبير ( برميل ، خزان ماء ) ، ومنهم من يرفض النفث على الماء والزيت والعسل الذي يحضره المريض معه لأنه يجب على المريض أن يشتري من الدكان الموجود في المقر ، ومنهم من يطلب المبالغ للقراءة الجماعية والمبالغ الكبيرة للقراءة الخاصة ، ومنهم من يبيع الـمحو الذي عمل بأختام خاصة وبأسعار خيالية ، وهذا منعطف سيئ وأخذ لأموال المسلمين بأساليب غير كريمة ، يقول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني : واشتط آخرون ؛ فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها … وجعلوها مهنة لهم لأكل أموال الناس بالباطـل ا.هـ.



ومثل أولئك الرقاة مع أنهم قليلون لا كثرهم الله ، فتحوا الباب على مصراعيه لكل ناعق يريد الطعن بالرقاة سواء من المتفيقهين من طلبة العلم أو من فسقة الأطباء وجهلتهم وغيرهم من المنكرين .



ولو عظموه في النفوس لعظما
لو أن أهل العلم صانوه صانهمْ

محياه بالأطماعِ حتى تجهـمـــــا
ولكن أهانوه فهونوا ودنســــــوا




وكم أتمنى أن يتدخل ولاة الأمور ويمنعوا هذا الصنف من الرقاة من المتاجرة باسم الرقية، ولا أعني منعهم من القراءة فلعل الله أن ينفع بهم المسلمين ، وأنا أظن بأن البعض منهم سوف يتوقفون عن الرقية إذا ما منعوا من البيع وأخذ الأموال من المرضى ، وعندها يعلم من يبكى ممن يتباكى.ولا أعني أولئك الذين يضطرون لأخذ مبالغ قليلة ومعقولة لتغطية مصاريف وإحتاجات المقرات المستأجرة .



فهذه السلبية وغيرها جعلت الكثير يدندنون حول منع الرقية الجماعية ويزعمون أن هناك تجاوزات شرعية تحصل عند بعض الرقاة خصوصا عند التعامل مع النساء ، والتخبط في التشخيص ويزعمون أن أكثر المرضى حالات نفسية وأنه يمكن للمصاب أن يقرأ على نفسه.



ولعل من أهم أسباب هذه المواقف السلبية تجاه الرقاة هو الجهل بالواقع وبما يحصل للناس من معاناة وأمراض وأسقام وأوهام ووساوس وسهر بسبب المس والسحر والعين ، وهذه الأمور لا تعالج عند الأطباء ، ولو أن أحدهم تمعن في قول الله تعالى على لسان أيوب :" وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" [ص:42]، لعلم أن الشيطان إذا ما تسلط على ابن آدم نغص عليه عيشه ، وضيق عليه صدره وصرفهُ عن طاعة مولاه ، ولو تفكر أحدهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس "، لعلم أن كثيراً من الأمراض أصلها بسبب العين وليس الخبر كالمعاينة .



ولعل السبب في جهلهم في هذا الواقع أن أحدهم لم يبتلِ في نفسه أو في قريب له حتى يعلم مدى المعاناة وجهد البلاء ، وحتى يعلم حقيقة أنه ليس كل المرضى يستطيعون أن يرقوا أنفسهم ؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به . ويقول ابن القيم : وكان شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة . وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف قوة – قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقربائي ومن حولي : اقرأوا آيات السكينة ، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي من قلبة. وفي كتب السيرة أن أبا الوليد عتبة بن ربيعة بُعث من قبل مشركي قريش ليساوم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من مما قال :إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ... حتى قال: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، وكيف يرقي المريض نفسه والجان يحضر حضوراً كاملا كلما هم في ذكر الله تعالى فضلاً عن أن يرقي نفسه ، كيف يرقي المريض نفسه وهو مجنون لا يعقل ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يرى حروف القرآن تميل يمينا وشمالا ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يشعر وكأن على صدر جبال الدنيا من الضيق والحرج ، كيف يرقي المريض نفسه وهو لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية ، كيف يرقي المريض نفسه والشيطان يضيق عليه من داخل جسده وفي الحديث عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:َ ابْنُ أَبِي الْعَاصِ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي قَالَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ الْحَقْ بِعَمَلِكَ قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ . رواه ابن ماجة في سننه . ونهش الصحابي عبدالرحمن بن سهل بجريرات الأفاعي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إلى عمارة بن حزم فليرقه قالوا يا رسول الله إنه يموت قال وإن فذهبوا به إليه فشفاه الله .



وهل يظن أن تلك الجموع الغفيرة التي تطرق أبواب الرقاة في كل يوم وليلة أنهم من السذاجة والغباء إذ يضيعون أوقاتهم وأموالهم دون نفع أو فائدة ، وهل يظن أن كل هذه الجموع لم تطرق أبواب المستشفيات والمصحات النفسيه ، ولعل طلبة العلم يعجبون إذا ما علموا أن بعض أولئك المراجعين هم من الأطباء وطلبة العلم والقضاة، وأن البعض منهم دفع عشرات الألوف بل لا أبالغ إن قلت أن البعض منهم قد دفع مئات الألوف تكاليف للعلاج و الأدوية والأشعة والتحاليل دون فائدة ؛ ولم يجدوا الراحة والطمأنينة إلا بعدما أن رقاهم الرقاة المخلصين بكتاب الله تعالى .



أما ما يذكر عن بعض التجاوزات التي تحصل عند القراءة على النساء فهي تجاوزات فردية تحصل عند بعض الرقاة هداهم الله تعالى ، ولا تعمم على كل الرقاة ، والغالب أنها تحصل بدون قصد ، وما هو حاصل عند بعض الأطباء والسحرة والمشعوذين من كشف على عورات المسلمات والعبث في مواضع العفة منهن بحجة الكشف والتشخيص لا يقارن أبداً ببعض الهفوات التي قد تحصل من بعض الرقاة ، ومع ذلك ومع الأسف أنك لا تسمع طعنا أو تنديداً من أولئك الذين يزعمون أنهم من طلبة العلم .



عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ومما يجهله طلبة العلم أن الشيطان إذا ما تلبس المرأة فإن تأثيره عليها بالغواية يكون أكبر ، وربما صرعها وكشف عنها ثيابها على مشهد من الرجال ، وحديث أم زفر شاهد على هذا الكلام فعند مسلم عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ قَالَتْ أَصْبِرُ قَالَتْ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. رواه مسلم ، وعند البزار عن ابن عباس أنها قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني .









مقالات حول أخطـاء الأطباء