من عام مضى :
ها قد تساقطت وراقاته ، وتطايرت في هواء الخريف مع أوراق الشجر التي تشهد أنها كانت خضراء يوما ما ، لقد اصفرت ثم جفت ، ثم رقت حتى تمزقت من أصولها فطارت في الهواء مترنحت لا تدري أين ستحط الرحال ، حتى سقطت في صحراء قاحلة ، تشويها الشمس بحرارتها ، حتى اسودت واضمحلت صارت تراب كأنها لم تكن 0
ألم يكن يوماًُ قضينا فيه الدقائق والساعات ، الطاعات والمعاصي ، الشرور والخيرات ، هل نذكر منها شيئاً ، هل ندمنا منها على شيئاً ، ألا نتمنى عودة يوماً منها ؟
هل يعود ؟
لا وربي لن يعود 0 ولكن قال تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " (قّ:18)
لن يعود وقد حمل معه كل صغيرة وكبيرة ، لقد سطرت بحبر لا يمحى ، وبعلم لا ينسى ، وستحاسب عليها حتى تتوب ، قال تعالى : " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً " (الكهف:49)
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (الحشر:18)
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية 0
فلنقف مع أنفسنا وقفتين :
وقفة تحاسبها عما وقع وانقضى ، ووقفة تبصرها بالمقبل الآتي :
قف مع نفسك بين الفينة والأخرى ناظراً في أمسك الغابر ، وتفكر فيما أودعته بياض نهارك من قول وعمل ، وما تضمنه سواد ليلك من صمت أو فكر ، وانظر ما قدمت يداك وما تحرك به لسانك ، وما وقع عليه طرفك ، وما استمعت إلأيه أذناك ، وما مشت إليه قدماك ، ومفتاح النفس الإنسانسة الذي تقوَّم به وتتهذب جاء به الإسلام فإذا هديت إليه انقادت نفسك واستقام أمرك 0
فأيهما أهون عندك أن تحاسب عن أعمال عمرك كله أم عن أعمال عام كامل أم عن أعمال يومك ؟
أظن أنك لو حاسبت نفسك حساب الشريك لشريكه لما خفت من الحساب الأعظم ، قد كان أحد التابعين لشدة حرصه على العبادة لو قيل له تموت اليوم لما زاد من عمله شيء 0
منقول
الروابط المفضلة