حديث الصورة رواية ودرايةبسم الله الرحمن الرحيم
بقلم الشيخ الدكتور بندر بن نافع العبدلي
جامعة الإمام بالقصيم
قسم السنة
مجلة الحكمة العدد 27
********************************
مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات , من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل , بل يؤمنون بأن الله سبحانه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )( الشورى 11 ) فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه , ولا يحرفون الكلم عن مواضعه , متبعين في ذلك كتاب الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة , ثم هم ينكرون على من حرَّف صفات الله أو مثَّل الله بخلقه , لأن ذلك تعدٍّ على النصوص وقول على الله بلا علم , إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , فكما أنه عز وجل لم يخبرنا عن كيفية ذاته , فكذلك لا نعلم كيفية صفاته , لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته .
قال نعيم بم حماد الخزاعي ( من شبه الله بخلقه فقد كفر , ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر , وليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه ) .
وقال الإمام مالك - لما سئل عن الاستواء كيف هو – ( الاستواء معلوم , والكيف غير معقول , والإيمان به واجب , والسؤال عنه بدعة ) ثم قال للسائل ( ما أراك إلا مبتدعا ) فأمر به فأُخرج .
فقوله رحمه الله ( والسؤال عنه بدعة ) أي السؤال عن الكيفية بدعة , لأن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ما سألوا عنها , وهم أتقى لله وأحرص منَّا على العلم .
ولكن لا شك أنهم – أعني السلف – كانوا يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من الصفات , وإلا لم يكن للأمر بتدبر القرآن فائدة , وقد نقلت عنهم عبارات تدل على ذلك . فقد أخرج اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم ( 875 ) عن الوليد بن مسلم أنه قال ( سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية , فقالوا : أمرَّوها بلا كيف ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية ص ( 41 ) بعد ذكره عبارات الأئمة في هذا المعنى ( ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق الله – لما قالوا : الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , ولما قالوا : أمرُّوها كما جاءت بلا كيف , فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم , وأيضاً : فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى , وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات , وأيضاً : فإن من ينفي الصفات الخبرية , أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول : بلا كيف , فمن قال : إن الله على العرش , لا يحتاج أن يقول : بلا كيف , كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا : بلا كيف , وأيضاً فقولهم : أمروُّها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه , فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ , فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد , أو أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة , و حينئذٍ فلا تكون قد أمرت كما جاءت و لا يقال حينئذ : بلا كيف , إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول ) ا هـ .
فتبين من كلام الشيخ رحمه الله أن سلف الأمة يثبتون لآيات الصفات وأحاديثها معنى من وجهين :
الوجه الأول : من قولهم ( أمروها كما جاءت ) وهي لم تأت عبثاً , بل جاءت لمعنى , فإذا أمروها كما جاءت لزم من ذلك أن يثبت لها معنى .
الوجه الثاني : من قولهم ( بلا كيف ) لأن نفي الكيفية بدل على إثبات أصل المعنى , إذ نفي الكيف عما ليس لغو وعبث .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى صفات ذاتية : وهي التي لم يزل ولا يزال الله متصفاً بها , وصفات فعلية وهي المتعقلة بالمشيئة , وذكروا أن الصفات الذاتية تنقسم إلى معنوية مثل : الحياة والعلم والقدرة وغيرها , وخبرية مثل : اليدين , والوجه , والعينين , وما أشبه ذلك مما مسماه بالنسبة لنا أجزاء وأبعاض , وبسط هذه الصفات وأدلتها من الكتاب والسنة في كتب العقيدة .
وقد وقع في بعض أحاديث الصفات خلاف بين الأئمة في إثبات ما دلَّت عليه لله من عدمه من أن جمهورهم على إثبات ما دلت عليه مع نفي التمثيل والتكييف .
ومن هذه الأحاديث حديث ( إن الله خلق آدم على صورته ) فقد كثر الكلام حول هذا الحديث , واختُلف في مرجع الضمير في قوله ( صورته ) على من يعود ؟ وإني في هذا البحث المختصر أُبين تخريج الحديث وبيان ألفاظه وطرقه , وخلاف الأئمة في تفسيره مع بيان القول الذي اختاره جمهور أئمة أهل السنة , وأسأل الله العون والتوفيق والتسديد , إنه جواد كريم .
وقد جعلت هذا الموضوع في ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : سرد حديث الصورة بطرقه وألفاظه .
المبحث الثاني : كلام الأئمة على الضمير في قوله ( على صورته ) إلى من يعود ؟
المبحث الثالث : في إثبات الصورة لله جل جلاله .
يتبع إن شاء الله تعالى ...
الروابط المفضلة