نهى الإسلام عن التبذير والإسراف كما نهى عن البخل والتقتير وجعل المبذرين من إخوان الشياطين وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من البخل والعجز وغلبة الدين.
ولكن في أحيان كثيرة ومن أجل غايات سامية يلجأ الإنسان إلى الاقتصاد في المعيشة وإيثار التضحية بالكماليات من أجل تحقيق غرض كريم أو من أجل المصلحة العامة ويعد موقف الأنصار رضوان الله عليهم من أسمى المواقف في التاريخ الإنساني كله حين قاسموا إخوانهم المهاجرين في أموالهم ودورهم مؤثرين على أنفسهم محبين من أعماق قلوبهم من هاجر إليهم.
وعندما كان بيت النبوة الكريم يطعم الطعام على حبه أي الحاجة إليه مسكينا ويتيما وأسيرا كان يقدم صورة أخرى من صور السمو الإنساني والإيثار الكريم.
وللأسف ففي حياتنا المعاصرة كثير من صور التبذير تقع في السلوكيات الشخصية وبعضها يجمع بين حرمة التبذير وحرمة الشئ نفسه كتعاطي الدخان والنارجيلة فضلا عن المخدرات الأخرى بالإضافة إلى مأكولات أجنبية ومشروبات لا تعرف تفصيلات مكوناتها بينما لدينا من أرضنا ووطننا مواد حلال معروفة مكوناتها مضمونة في حلها ومع ذلك يزهد الناس فيها ويوقعون أنفسهم في الشبهات والمحظورات فضلا عن وقوعهم في التبذير والترف والإسراف.
ولو فكر هؤلاء تفكيرا إسلاميا وعقليا لعلموا أنهم يستطيعون أن يصنعوا الكثير لأنفسهم وأولادهم وأمتهم وأوطانهم عندما يتجنبون التبذير والإسراف في سلوكياتهم الشخصية أو الأفراح.
وهذه قصة رجل صالح عرف هذه الحقيقة وقام بتطبيقها على نفسه مع إنه كان فقيرا ولم يدخر الرجل من مشروبات حلال أو حرام ولا من أفراح أو مناسبات بل أدخر من قوت نفسه لأنه كان يحلم بأن يبني جامعا في مكان من أفضل الأماكن بالنسبة لرؤيته ولقومه الذين يريد أن يبني الجامع بينهم.
كان هذا الشخص ورعا تقيا يعيش في منطقة الفاتح باسطنبول واسمه خير الدين كججي افندي.. فقد كان صاحبنا هذا خير الدين عندما تتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم او حلوى كان يقول في نفسه: سأفترض أنني أكلت ، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق عنده.
ثم مضت الأشهر والسنوات وهو على هذا الحال يمنع نفسه عن كثير من لذائذ الأكل وبالتالي تزداد النقود في صندوقه الكبير شيئا فشيئا حتى استطاع ذات يوم أن يشتري الأرض الصالحة للبناء ثم شرع في بناء المسجد وحده دون طلب معونة من أحد..
ولما كان أهل المكان يعرفون فقر هذا الشخص فوجئوا بهذا ولما عرفوا قصته انبهروا بها وأطلقوا على الجامع الذي تم بناؤه اسم جامع كأنني أكلته.. وما زال الجامع معروضا بالتركية باسم جامع صانكي يدم ( أي جامع افترض أنني أكلت ) دلالة عظيمة على ما يمكن أن يفعله الإنسان إذا تجنب التبذير وحكم نفسه وضبط سلوكياته واتقى الله في المال عرف أنه سيسأل عن مصدره وصور إنفاقه يوم القيامة.
وقد بقى سلوك هذا الرجل الورع الفقير مثلا يضرب لما يمكن أن يفعله تجنب التبذير والإسراف.
فما أعظمه من درس يجب على كل مسلم أن يتعلمه: كلما نادتك اللذائذ.. أجب بكأنني أكلت .. عندها ستستطيع أن تقدم الكثير لنفسك وأمتك.. وهو درس في الاقتصاد والزهد وقوة الإرادة وتقوى الله يجب أن يعيه كل مسلم.
توكل على الرحمن في الأمر كله .............. ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم ..................... وهزي إليك الجذع.. يساقط الرطب
فلو شاء أن تجنيه من غير هزة .................. جنته .. ولكن كل رزق له سبب
{{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا* إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا }}
الروابط المفضلة