يخطيء كثير من الناس في فهم الورع بل يقع الخطأ أحيانا من بعض طلبة العلم .. فيعرفون الورع بأنه ترك ما قد يضر في الدار الآخرة..وهذا مفهوم ناقص وان كان صحيحا..
بل من الورع أيضا فعل ما قد ينفع في الدار الآخرة..
فيتركون الأمر تورعا لاحتمال ان يكون محرما او مكروها بينما ينسون ان من الورع فعل الشيء لاحتمال ان يكون واجبا او مستحبا ..ومن الامثلة على ذلك انه قد يكون على شخص ما دين او على ابيه المتوفى دين فيحصل له مال ويقع عنده شبهة بأنه قد يكون هذا المال غير مشروع وهذه الشبهة يسيرة جدا جدا مجرد شبهة فيتورع عن اخذ هذا المال بسببها وينسى ان من الورع انه ما دامت هذه مجرد شبهة سول له بها الشيطان فان الورع ان يأخذ هذا المال ويبريء ذمته او ذمة والده..
وقد يترك بعض الناس عملا من الاعمال مثلا الوعظ والتذكير ويرى انه ليس اهلا لذلك ويرى ان من الورع ان يتركه وينسى ان من الورع ان يقوم بهذا الامر لأنه قد يكون واجب او مستحب
فهو قد أعطاه الله شيئا من العلم يتوجب عليه تزكيته واعطاه الله القدرة على التفريق بين الحلال والحرام وقد يكون اعطاه الله اسلوبا طيبا او قدرة على العمل فيترك هذا الأمر من هذا الباب...
وهذا له أسباب عدة منها :
أولا:ان الترك اسهل على الانسان من الفعل فالنفس تميل للترك لانه لا يحتاج لجهد بينما تستصعب الفعل..
2- كيد الشيطان وهو كالعدو الذي يتخفى فلو ان عدوا يتربص بشخص او بجيش فانه يشغله بجهة معينة ليركز عليها الخصم ويظن انه سيؤتى من هذه الجهة ثم يأتيه العدو من جهة اخرى ويقضى عليه..فالشيطان يحفر للإنسان حفرة صغيرة فيركز عليها الشخص ويبتعد عنها حتى لا يدري إلا وهو يقع في هوة عميقة قد اوقعه الشيطان فيها..فكيد الشيطان يجعل الانسان يترك طلب العلم او قراءة القران او الوعظ والتذكير او الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيله خفية من باب الورع...
3-وهذا مهم جدا لأنه باب تلبيس كبير وهوما يعانيه الانسان في حال مواقعة الأمور كالوعظ والأمر بالمعروف ونحوه من مدافعة الرياء والإعجاب بالنفس ..فإذا قال من الورع ألا اتكلم ولا اعظ ولا أم الناس في المساجد اذا كان رجلا ولا أعلم ولا....ولا...الخ ....لماذا؟؟؟؟
قال من باب الورع ..
ففي هذه الحالة مجاهدة الرياء غير موجود ومدافعة الاعجاب غير موجود ومدافعة مدح الناس والفرح بما يسمع غير موجود ..ففي معاناته لهذه الامور انفتح له باب مجاهدة فيحاول دائما اصلاح النية واخلاص العمل فيؤجر على هذه المجاهدة...ثم انه بعد فترة من ممارسة هذه الأمور تخف هذه المشاعر تدريجيا حتى انها قد تزول بالكلية في يوم من الأيام ...
فكل من مارس هذه الأمور وجدها فمثلا اول مرة يريد رجل او تريد امرأة ان تلقي كلمة تجد ان هذه المشاعر والافكار في القمة على اشدها ثم بعد فترة من الممارسة تصبح هذه الاشياء عادية جدا جدا وتصبح في نظر فاعلها ليست بشي يذكر..
إن هذه امور مهمة صراحة في فهم الورع الفهم الصحيح لأن كثير ممن تركوا هذه الأعمال لبس عليهم الشيطان من هذا الباب باب الورع خوفا من الرياء والاعجاب ومدح الناس حتى جعلهم يتركون هذه الاعمال الخيرة الفاضلة والتي قد تكون واجبة في حق بعض الناس ولكن بسبب هذه الخدعة وهذا التلبيس يتركون هذه الأمور....
ولعله يكون للموضوع بقية ان شاء الله اذا يسر المولى سبحانه..
أسأل الله ان يجعلنا من الدعاة الى سبيله على بصيرة وان يقينا شر الشيطان
ويقينا خداعه ومكره وتلبيسه
وان يهدينا الصراط المستقيم وان يرزقنا الفردوس الأعلى من الجنان....
الروابط المفضلة