جزيتي خيرا وبورك فيكِ على هذا الموضوع الرائع
الذي ذكرنا بنعم الله علينا التي لاتعد ولاتحصى
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وابعد عنا كفران النعمه ....
قال تعالى: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ[البقرة:152]، وقال عز وجل: وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[النحل:114].
والشكرُ لله تعالى يقابل الكفرَ بالله تعالى، قال عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً[الإنسان:2، 3].
وأعظمُ الشكر الإيمانُ بالله تعالى، وأداء فرائضه وواجباته، والبعدُ عن محرماته، ثمَّ شكر بقية النعم إجمالاً وتفصيلاً. كما أن أعظمَ كفران النعم الكفرُ بالرسالة بالإعراض عن الإيمان بالله تعالى، وترك فرائض الله وواجباته، وفعل المعاصي، ثم كفرانُ بقية النعم.
والشكرُ لله تعالى ثوابُه عظيم، وأجره كريم، ينجي الله به من العقوبات، ويدفع الله به المكروهات، قال تعالى: مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً[النساء:147]، وقال عز وجل: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـٰصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ[القمر:33-35].
والشكرُ تزيد به النعم، وتدوم به البركات، قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7].
وإذا عاين الشاكرون بهجة الجنة ونعيمَها ولذةَ عيشها قالوا: ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ[الزمر:74].
والشكرُ صفة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[الإسراء:3]، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأنْعُمِهِ ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ[النحل:120، 121]، وقال تعالى: وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ[سبأ:13].
وحقيقةُ الشكر ومعناه الثناءُ على المنعِم جل وعلا بنعمه، وذكرها والتحدّث بها باللسان، قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ[الضحى:11].
والشكرُ أيضاً محبةُ المنعِم جل وعلا بالقلب والعمل بما يرضيه، قال عز وجل: ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ[سبأ:13]، وقال : ((أحبّوا الله من كل قلوبكم لما يغذوكم به من النعم))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فقلت: يا رسول الله، تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟!)) رواه البخاري. فدلَّ على أنَّ العملَ بالطاعة شكرٌ لله تعالى.
والشكرُ أيضاً استعمالُ النعمة فيما يحبّ الله عز وجل، فأعضاءُ البدن إذا استعملها المسلم في طاعة الله واستخدمها العبدُ فيما أحلّ الله له فقد شكر الله على أعضاء بدنه، وإذا استخدم العبدُ أعضاءَ بدنه في معاصي الله فقد فاته شكرُ الله عز وجل، وحارب ربَّه بنعم الله تعالى. والمالُ إذا أنفقه المسلمُ في الواجب والمستحبّ أو المباح يبتغي بذلك ثوابَ الله فقد شكر الله على نعمة المال، وإذا أنفقه العبدُ في معاصي الله تعالى أو المكروهات أو في فضول المباحات المضرّة فقد فاته شكرُ الله عز وجل، واستعان بالمال على ما يُغضب ربَّه، ويكون وبالاً عليه في الدنيا والآخرة. وإذا تمتَّع العبدُ بالطيبات والمباحات وشكرَ الله عليها وعلِم من قلبه أنها نعم الله تفضَّل بها على عباده فقد أدّى ما عليه في هذه النعم، وإذا نسي المنعِم جل وعلا فقد عرّض النعم للتغير، قال الله تعالى: وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ[النحل:112].
ومهما اجتهد المسلم وشكر فلن يستطيع أن يقوم بشكر نعم الله على التمام لقول الله تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ[النحل:18]، ولقول النبي : ((لن يدخل الجنةَ أحدٌ منكم بعمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدنيَ الله برحمته)). ولكن حسبُ المسلم أن يعلم عجزَه عن شكر نعم ربّه، وأنه لو شكر على التمام فالشكر يحتاج إلى شكر، وحسبُه أن يمتثل أمرَ ربه، ويبتعد عن معصيته، وأن يسدّد ويقارب، ويكثر الاستغفار.
وأعظمُ نعمة على المكلّفين طاعة الله عز وجل، فإذا وُفِّق المسلم لطاعةٍ لربه فعليه أن لا يبطلَها بمعصيةٍ مضادة، وعليه أن لا يأتي بما ينقصها، وأن يتبعها طاعةً أخرى، فإن الحسنة بعد الحسنة شكرٌ للحسنة وزيادةُ ثواب، وما من طاعة فرضها الله عز وجل إلا شرع من جنسها من الطاعات ما يزداد به المسلم إلى الله قربى، وما يُدخل الله به عبدَه الجناتِ العلا، فالصلاة والزكاة والصيام والحجُّ وغيرُها شرع الله نوافلَ مثلها، تجبر نقصَها، ويتسابق فيها المتسابقون في الخيرات، فمن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر، كما صحّ بذلك الحديث. ونوافل الصيام المستحبة الأخرى يرفع الله بها الدرجات، ويكفّر بها السيئات. ونوافل الصلاة المعلومة والنفقات التي تأتي بعد الزكاة ونوافل الحج والعمرة والنوافل الأخرى شكرٌ عملي لله تعالى، يزكي الله به العباد، ويجزي الله به أعظمَ الثواب في يوم المعاد.
عباد الله، ما أحسنَ الطاعاتِ بعد الطاعات؛ لأنّ في ذلك رضوانَ الله وزيادةَ ثوابه والحرز من عقابه، وما أقبحَ السيئات بعد الحسنات؛ لأن في ذلك غضبَ الله تعالى ونقص ثوابه أو حرمان الثواب بالكلية.
فدوموا ـ رحمكم الله ـ على طاعة ربّكم في الشهور والأيام كلّها، فربُّ رمضان هو ربُّ الشهور والأعوام، وربُّ المكان والزمان، فليس للمؤمن راحة قبل لقاء ربّه، فيا فوزَ من قدّم لأهوال القيامة الأعمالَ الصالحات، ويا ندامةَ من نسيَ آخرتَه ولقي في قبره السيئاتِ والموبقات، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ[الحشر:18-20].
الروابط المفضلة