...(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)...
كان جالساً ساهماً يدخن سيجارته ويتابع تلفازه الناطق بكل سخيف وهابط بملل وفتور لكن قطع شروده انقطاع البث ليظهر شيخ عليه هيبة العلم فانتبه له وإذا به يعلن للأمة انتهاء موسم الرحمة والغفران والتعرض لرحمات الرحمن ويبارك للأمة بيوم العيد (يوم الجائزة)..
ماذا!! جائزة؟؟
استرعت انتباهه هذه الكلمة فالتفت بكليته إلى الشيخ الذي تابع كلامه ذاكراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "رَغِم أنف من أدرك رمضان ثم لم يُغفر له", وأخذ يقدم تعازيه للذين أمضوه صياماً وقياماً وذكراً وطاعة. يبارك لمن تعرض لنفحات الرحمن واستغفر الله في الأسحار وأدمع عينه خشية الجبار ورفع يديه متبتلاً سائلاً الحنان المنان.
أحس برجفة في جسده, أطرافه ترتعش وعيناه تذرفان. أهذا الشيخ يكلمه ويعنيه تراه هل يعرفه أم تراه كان يراقبه في رمضان؟ ماذا يقصد بيوم الجائزة, هل معنى ذلك انتهى الامتحان, خسرت خسارة إلى الأبد وتهت بين التائهين؟ ألست أنا من كان ينتظر رمضان ليتوب ويعوض ما فاته؟ ما الذي أنساني ذكر ربي والتوبة؟, صرخ متأوهاً: النار النار انتبه إلى أنها سيجارته التي بين أصبعيه أحرقتهما لكني ظننتهما لظى, بعدما أُهلكت وانتهى كل شيء..
الأرض تدور بي والدمع من عيني يكاد يذهب ببصري, واليأس يلفني والقنوط يفتك بي, ها هي الدروب أوصدت بوجهي. ولكن فجأة انتبه إلى صوت القرآن من تلفازه يتلو قول الله تعالى من بعد انتهاء كلام الشيخ
(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً).
ماذا يقول هذا القارئ؟ أهي آية في كتاب الله؟ ..نعم إنها أرجى آية في كتاب الله أنزلها الله لك يا أخي ويا أختي ولي ولكل من أذنب وعصى ربه ليعلم أن الله يفرح بتوبة عبده فرحاً عظيماً يليق بجلال الله وعظمته. يفرح بتوبة التائب في رمضان وغير رمضان, فهو رب الشهور كلها, أييأس من رحمته مؤمن؟ حاشاه سبحانه.
فهيا يا أخي انهض وانس الماضي الآثم ولا تلتفت إلى الوراء وامض نحو رضى الله وتذكر أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, التوبة باب خير لا يوصد حتى تطلع الشمس من المغرب وأن الله لا يزال يغفر ما دام العبد مستغفراً..
فهيا يا أختي أعلنيها صراحة:
يا رب إني تبت إليك وأنا من المسلمين..
لماذا ننتظر حتى يفوت رمضان لكي نستيقظ من سباتنا..
لماذا ننتظر حتى يفوت الأوان..
***
لماذا لا نستغل شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن..
شهر العتق والغفران..
شهر الصدقات والإحسان..
***
شهر تُفتح فيه الجنات..
وتُضاعف فيه الحسنات..
وتُقال فيه العثرات..
***
شهر تُجاب فيه الدعوات..
وتُرفع الدرجات..
وتغفر فيه السيئات..
***
"إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين"
"إذا كان أول ليلة من رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجنِّ وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب, وغلّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب, وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل, ويا باغي الشر أقصر, ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"
"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه, ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه, ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"
***
يا ذا الذي ما كفاهُ الذنب في رجب
حتى عصى ربّهُ في شهر شعبانِ
لقد أظلك شهرُ الصوم بعدهما
فلا تُصيّره أيضاً شهر عصيان
واتلُ القرآن وسبّح فيه مجتهداً
فإنه شهرُ تسبيحٍ وقرآنِ
كم كنت تعرف ممّن صام في سلفٍ
من بين أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ
أفناهم الموتُ واستبقاك بعدهمو
حيّاً فما أقرب القاصي من الداني
***
اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات, وشغلها بالأعمال الصالحات, ووفقنا لسلوك سبيل عبادك الأخيار,
واغفر لنا جميع الذنوب والأوزار, برحمتك يا أرحم الراحمين
الروابط المفضلة