المقتطف من خطبة للشيخ ناصر محمد الأحمد
إن هذا الكون العجيب الغريب الذي نعيش فيه، يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لانشاهدهم، وهم فيه في حركة دائبة لاتهدأ ولا تتوقف، وسيبقى حاله كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي يهلك الله فيه جميع الأحياء وهو يوم النفخ في الصور، الذي ينتهي بعده الحياة في الأرض والسماء كما قال تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله
1. نفخة الصعق:
وهي نفخة هائلة مدمرة يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشئ ولا يقدر على العودة إلى أهله وخلانه ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعة هلاك العباد حين تقوم الساعة فقال: ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا)) رواه البخاري. والنافخ في الصور هو اسرافيل عليه السلام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستعد منذ أن خلقه الله ينتظر أن يؤمر فينفخ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن طَرْفَ صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان درّيان)). وأما في هذا الزمان الذي اقتربت فيه الساعة أصبح اسرافيل أكثر استعداداً وتهيؤاً للنفخ في الصور. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا)). وسيكون النفخ في الصور يوم الجمعة فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ)). رواه ابوداود. ولما كانت الساعة تقع في يوم الجمعة فإن المخلوقات تكون خائفة مشفقة كل جمعة إلا الإنس والجن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ)). رواه أهل السنن.
2. نفخة البعث:
ثم يأمر الله تعالى بالنفخة الثانية وهي نفخة البعث، فإذا شاء الحق تبارك وتعالى إعادة العباد وإحياءهم أمر اسرافيل فنفخ في الصور، فتعود الأرواح إلى الأجساد ويقوم الناس لرب العالمين ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وقد وصف المولى جل وتعالى مشهد البعث وتعجب الموتى من ذلك فقال سبحانه: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون . وقبيل نفخة البعث يُنزل الله مطراً من السماء فتنبت منه أجساد العباد من التراب. وهذا يماثل إنبات النبات من الأرض إذا نزل عليها الماء كما قال تعالى: وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات، كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ويكون إنبات الإنسان من عظم صغير هو عجب الذنب وهو العظم الصلب المستدير في أصل العجز .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه مسلم. ولمسلم أيضاً قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا: أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجْبُ الذَّنَبِ)).
*****************************
استوقفني هذا الحديث من ثنايا الخطبة قال صلى الله عليه و سلم : "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا "
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: جيد - المحدث: ابن كثير - المصدر: تفسير القرآن - الصفحة أو الرقم: 2/148
و فيه روايات أخرى .. تأملوا هذا الحديث ..لا إله إلا الله..حسبنا الله و نعم الوكيل على الله توكلنا ..
قال بعض أهل العلم أن النفخات ثلاث ..و لكن الراجح و الله أعلم أنها نفختان فقط
الروابط المفضلة