بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كتب التوفيق والنصر لأوليائه المؤمنين ، والذلة والخذلان لأعدائه الكافرين والمنافقين ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
فإن ما نزل بدولة الكفر (أمريكا) من بأس الله عز وجل وعقوبته وما تلا ذلك من تداعيات واعتداءات ظالمة من دول الكفر أهلكت الحرث والنسل في (أفغانستان) المسلمة ليعد من النوازل العظيمة التي تمر بأمة الإسلام ، والتي لا ينجي منها إلا الاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والانطلاق منهما في تحليل الأحداث واتخاذ المواقف ، ذلك أن في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثوابت العقدية القائمة على تجريد التوحيد لله سبحانه ، وتعبيد الناس لربهم عز وجل ، وفيهما التعرف على أسماء الله عز وجل وصفاته العلا والتي تظهر آثارها في أمره وفي خلقه سبحانه ، وفي كل ما يقضيه ويقدره ، وفيهما التعرف على سنن الله عز وجل في التغيير والتدافع . وإننا في هذا البيان ، وفي ضوء كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نسجل موقفنا إزاء هذه الأحداث وتداعياتها في النقاط التالية :
(1) أن ما أصاب دولة الكفر (أمريكا) من الدمار – بغض النظر عن هوية الفاعل ، وعن شرعية الفعل من عدمه – إن هو إلا مقتضى اسمائه سبحانه وصفاته ، فهو سبحانه القوي العزيز القاهر فوق عباده ، حيث قهر بعزته وقهره وقوته قوة أكبر دولة في العالم ، كان لسان حالها ، بل مقالها يقول :" من أشد منا قوة " ، فأذل كبرياءها ، وأرغم أنفها ، وضربها في أعز ما تملك وتفتخر به وتهدد به العالم ، وما كانت تظن في يوم من الأيام أن تضرب في رمز اقتصادها ورمز دفاعها وقوتها واستخباراتها ، لكنه الله القوي العزيز أتاهم من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم الرعب ، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .كما وإن سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه معاقبة الظالمين والمستكبرين في الأرض ، وإنما لكل أجل كتاب ، وكل شيء عنده بمقدار ، وقد قال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) (هود:102) ، وقال تعالى ( وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48) ، وقال تعالى ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) . وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) . وإن ما أصاب أمريكا من الأحداث ، وما تلا ذلك من الخوف والأمراض في تلك البلاد هو من سنن الله تعالى ، وقد قال تعالى ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) (الفتح:23) ، وقال تعالى ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: من الآية43) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى 28 / 434) : " إن نصوص الكتاب والسنة اللذين هما دعوة محمد صلى الله عليه وسلم يتناولان عموم الخلق بالعموم اللفظي والمعنوي أو بالعموم المعنوي ، وعهود الله في كتابه وسنة رسوله تنال آخر هذه الأمة كما نالت أولها ، وإنما قص الله علينا قصص من قبلنا من الأمم لتكون عبرة لنا ، فنشبه حالنا بحالهم ونقيس أواخر الأمم بأوائلها ، فيكون للمؤمن من المتأخرين شبه بما كان للمؤمن من المتقدمين ، ويكون للكافر والمنافق من المتأخرين شبه بما كان للكافر والمنافق من المتقدمين".
(2) إن لله سبحانه فيما جرى من الأحداث حكماً عظيمة هي مقتضى اسمه سبحانه (الحكيم) ، قد نعلمها ، وقد تخفى علينا ، وقد نعلم بعضها ، ومما ظهر لنا من الحكم في هذه الأحداث بيان حقائق الإيمان ، وتمييز المؤمنين من المنافقين ، وإحياء عقيدة الولاء والبراء ، وإيقاظ روح الجهاد في سبيل الله ، وتبيين عداء الكافرين للمسلمين ، ولفت الأنظار إلى بغي أمريكا وظلمها حتى ظهر الحديث عن ذلك الآن داخل أمريكا نفسها، وإثارة الاهتمام بدين الإسلام في الدول الكافرة ، والشعور بالعزة ، وذهاب اليأس من إمكانية المواجهة بين الإسلام والغرب الكافر .
(3) ننبه الأمة إلى طبيعة المعركة ، وأنها معركة بين الكفر والإسلام ، خاصة وأن نعرة الحرب الصليبية من جانبهم ظاهرة ، و ما ورد من تصريحات من كبار ساستهم ومفكريهم دليل على ذلك ، مثل تصريح (بوش) ، وكلام (برلسوكوني) رئيس وزراء إيطاليا ، فضلاً عن كثير من المفكرين ورؤساء تحريرالصحف والمجلات المشهورة . كما نجد لغة تحريضية تكرس الطبيعة الصليبية للمعركة ، مثل (نحن و هم ) ، (صراع الحضارات) ، (قوى الخير وقوى الشر) . والمتتبع للحرب التي تشنها (أمريكا) على كل ما يمت للإسلام بصلة لا يخفى عليه ذلك ، فهي حرب على من جاهد في (افغانستان) يوما من الأيام ، وحرب على جماعات الجهاد ، وحرب على البنوك الإسلامية ، وحرب على المؤسسات الخيرية الإغاثية ، وحرب على شبكات الإنترنت الإسلامية ، وحرب على الشركات الإسلامية في وربا وأمريكا ، وحرب على مناهج التعليم الإسلامية ، وعلى آيات الجهاد في القرآن ، وحرب على المدارس الإسلامية ، فلينتبه المسلمون إلى طبيعة المعركة .
(4) وبناء على ذلك نذكرالأمة بوجوب البراءة من الكفار ، ونحذرهم من موالاتهم والركون إليهم ، فإن هذا من أعظم الأخطار التي تهدد إيمان العبد ، كما قال تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22) ، وقال تعالى ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)(آل عمران: من الآية28) ، وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) ، وقال تعالى ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139) . ونحذر من إعانتهم ونصرتهم على المسلمين بأي نوعٍ من أنواع الإعانة – ولو باللسان – فإن هذه ردة عن الإسلام والعياذ بالله ، وقد أجمع أهل العلم على ذلك كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في (فتاواه) (1/274) : (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ، كما قال الله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) ). والخصم الرئيس في هذه الأحداث الأخيرة هم اليهود والنصارى ، فبعضهم أولياء بعض ، فكيف إذا انضم تحت رايتهم أهل الشرك والإلحاد والنفاق كما هو في هذا التحالف المشؤوم الذي تقوده أمريكا الكافرة .
الروابط المفضلة