[align=center][/align]
ذي القرنين
عن قتادة عن الحسن قال: كان ذو القرنين ملك بعد النمرود، وكان من قصته أنه كان رجلا مسلما صالحا أتى المشرق والمغرب، مد الله له في الأجل ونصره حتى قهر البلاد واحتوى على الأموال، وفتح المدائن وقتل الرجال وجال في البلاد والقلاع، فسار حتى أتى المشرق والمغرب.
أسمه :
اختلف فيه
عن ابن عباس: كان اسمه عبد الله بن الضحاك بن معد.
قال ابن إسحاق: كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح
قال ابن هشام: واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه
و قيل: هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني، وقد تشدد قافه فيقال: المقدوني
وقيل: اسمه هرمس. ويقال: اسمه هرديس
وقيل: هو الصعب بن ذي يزين الحميري من ولد وائل بن حمير
وقيل: إنه أفريدون الذي قتل بيوراسب بن أرونداسب الملك الطاغي على عهد إبراهيم عليه السلام
وقيل: مصعب بن عبد الله بن قنان بن منصور بن عبد الله بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن قحطان.
وقيل: كان اسمه مرزبى بن مرزبة.
وقال وهب بن منبه: هو رومي
سبب تسميته بــ ذي القرنين :
قيل: إنه كان ذا ضفيرتين من شعر فسمي بهما؛ ذكره الثعلبي وغيره.
وقيل: إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس، فسمي بذلك ذا القرنين
وقيل: لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا.
وقالت طائفة: إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين؛ أو قرني الشيطان بها.
وقال وهب بن منبه: كان له قرنان تحت عمامته من نحاس.
و قيل : لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت شريف من قبل أبيه وأمه
وقيل : أنه دعا ملكا جبارا إلى الله فضربه على قرنه فكسره ورضه، ثم دعاه فدق قرنه الثاني، فكسره، فسمي ذا القرنين.
وقيل: لأنه أنقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي
وقيل: لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا.
وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن.
وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور.
وقيل: لأنه ملك فارس والروم.
عمره :
ذكر بعض أهل الكتاب أنه مكث ألفا وستمائة سنة يجوب الأرض
زمانه :
قيل: كان في وقت إبراهيم وإسماعيل
(( وقد ذكر الأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل، وطاف معه بالكعبة المكرمة ))
وقال قوم: كان بعد موسى
وقال قوم: كان في الفترة بعد عيسى
قصة أسلامه :
عن عبد المؤمن بن خالد عن علباء بن احمر: ان ذا القرنين قدم مكة، فوجد ابراهيم واسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة اجبل.
فقال لهما: مالكما ولارضي؟ فقال: نحن عبدان ماموران امرنا ببناء هذه الكعبة.
قال: فهاتا بالبينة على ما تدعيان؟
فقامت خمسة اكبش، فقلن: نحن نشهد ان ابراهيم واسماعيل عبدان ماموران امرا ببناء الكعبة.
فقال: قد رضيت وسلمت ثم مضى.
هل هو نبي أو ملك ؟
الصحيح أنه كان ملكا من الملوك العادلين، وقيل: كان نبيا. وقيل: كان رسولا. وأغرب من قال: ملكا من الملائكة.
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا أدري أتبع كان لعينا أم لا، ولا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا، ولا أدري ذو القرنين كان نبيا أم لا )) وهذا غريب من هذا الوجه.
وعن ابن عباس قال: كان ذو القرنين ملكا صالحا، رضي الله عمله، وأثنى عليه في كتابه، وكان منصورا، وكان الخضر وزيره. (( وذكر أن الخضر، عليه السلام، كان على مقدمة جيشه وكان عنده بمنزلة المشاور الذي هو من الملك بمنزلة الوزير في اصلاح الناس اليوم.))
وروي عن عبيد بن عمير، وابنه عبد الله وغيرهما، أن ذا القرنين حج ماشيا، وأن إبراهيم لما سمع بقدومه تلقاه ودعا له ورضاه، وأن الله سخر لذي القرنين السحاب يحمله حيث أراد.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إنه سمع رجلا يقول لآخر: يا ذا القرنين، فقال: مه، ما كفاكم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة.
وعن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب قال: لم يكن نبيا ولا رسولا ولا ملكا، ولكن كان عبدا صالحا.
قصة طلب ذي القرنين عين الحياة :
ذكر ابن عساكر من طريق وكيع عن أبيه، عن معتمر بن سليمان عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه زين العابدين خبرا مطولا جدا فيه :
أن ذا القرنين كان له صاحب من الملائكة يقال له: رناقيل. فسأله ذو القرنين: هل تعلم في الأرض عينا يقال لها: عين الحياة؟ فذكر له صفة مكانها، فذهب ذو القرنين في طلبها وجعل الخضر على مقدمته، فانتهى الخضر إليها في واد في أرض الظلمات، فشرب منها ولم يهتد ذو القرنين إليها. وذكر اجتماع ذي القرنين ببعض الملائكة في قصر هناك، وأنه أعطاه حجرا، فلما رجع إلى جيشه سأل العلماء عنه، فوضعوه في كفة ميزان، وجعلوا في مقابلته ألف حجر مثله فوزنها، حتى سأل الخضر فوضع قباله حجرا، وجعل عليه حفنة من تراب فرجح به، وقال: هذا مثل ابن آدم لا يشبع حتى يوارى بالتراب. فسجد له العلماء تكريما له وإعظاما. والله أعلم.
الأمم الثلاثة التى اطلع عليها ذي القرنين :
[align=center][/align]
الأمة الأولى :
قال تعالى {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما، قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا،قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا}
بلغ ذي القرنين قوم في مغرب الأرض يسكنون مدينه حارة وذات حمأة ((هي الطينة السوداء))
وهم أهل جابرس، ويقال لها بالسريانية: جرجيسا
يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح
فدعاهم إلى الإسلام و الى الإيمان بالله
فأما من ظلم نفسه وأقام على الكفر فعذبه وقتله وله يوم القيامة عذابا شديدا في جهنم
و أما من آمن بالله وتاب من الكفر فله عند الله تعالى الجنة في الآخرة وله منا الأمن على أهله وماله.
الأمة الثانية :
قال تعالى {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا}
بلغ ذي القرنين قوم في مشرق الأرض لم يكن بينهم وبين مطلع الشمس أحد من الناس
قال قتادة: لم يكن بينهم وبين الشمس سترا؛ كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء، وهم يكونون في أسراب لهم، حتى إذا زالت الشمس عنهم رجعوا إلى معايشهم وحروثهم؛ يعني لا يستترون منها بكهف جبل ولا بيت يكنهم منها.
وقال الحسن: كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر، وكانت لا تحمل البناء، فإذا طلعت عليهم الشمس نزلوا في الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا، فيتراعون كما تتراعى البهائم.
وقد اختلف فيهم
قال وهب بن منبه : أنها أمة يقال لها منسك وهي مقابلة ناسك
وقال مقاتل و قتادة: يقال لهما الزنج
وقال الكلبي: هم تارس وهاويل ومنسك؛ حفاة عراة عماة عن الحق، يتسافدون مثل الكلاب، ويتهارجون تهارج الحمر.
وقيل: هم أهل جابلق وهم من نسل مؤمني عاد الذين آمنوا بهود، ويقال لهم بالسريانية مرقيسا
{كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا} أي؛ ونحن نعلم ما هو عليه ونحفظه ونكلؤه بحراستنا في مسيره ذلك كله من مغارب الأرض إلى مشارقها.
الأمة الثالثة :
قال تعالى {حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا ، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ،فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}
بلغ ذي القرنين جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان ، ووجد من ورائهما قوم لا يفقهون كلام غيرهم
عدا أمة من الإنس صالحة قالت له : إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض
وسوف نجعل لك ضريبة من الأموال بشرط أن تعمل بيننا وبينهم سدا فلا يصل ألينا فسادهم وشرهم
واختلف في إفسادهم
فقيل : إفسادهم أكل بني آدم.
وقالت فرقة: إفسادهم إنما كان متوقعا، أي سيفسدون، فطلبوا وجه التحرز منهم.
وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر.
{قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}
قال لهم ذي القرنين : ما بسطه الله تعالى لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ولكن أعينوني بقوة الأبدان، فان الأموال عندي والرجال عندكم فأعينوني بهم
{آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا}
ثم قال : اجمعوا لي قطع الحديد الضخمة
وأمرهم بوضع هذه القطع في مكان ضيق بين هذين السدين، فلما وضعت قطع الحديد حتى ساوت قمة الجبلين
قال: انفخوا النار المشتعلة التي تصهر هذا الحديد
فأشعل النيران حتى انصهر الحديد وذاب بين الجبلين
فأمر ذو القرنين أن يدخلوا في المرحلة الثانية من مراحل البناء، ألا وهي أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر .
[align=center][/align]
فلما انصهر النحاس أمرهم بصب النحاس على الحديد فتخلل النحاس الحديد فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً ليزداد صلابة وقوة فلا تستطع يدى يأجوج ومأجوج أن تتسلقه أو أن تنقبه .
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءه رجل فقال: يا رسول الله إني رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: (كيف رأيته) قال: رأيته كالبرد المحبر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد رأيته).
{فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}
أي ما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوا فيه؛ لأنه أملس مستو مع الجبل والجبل عال لا يرام. وارتفاع السد مائتا ذراع وخمسون ذراعا.
وروي في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسون فرسخ؛ قاله وهب بن منبه.
وروي في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وعقد وهب بن منبه بيده تسعين وفي رواية - وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها...) وذكر الحديث.
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يأجوج ومأجوج يخرقون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم أرجعوا فستخرقونه غدا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم أرجعوا فستحفرونه إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس...) الحديث
وقد ذكر أن الخليفة الواثق بعث رسلا من جهته، وكتب لهم كتبا إلى الملوك يوصلونهم من بلاد الى بلاد حتى ينتهوا إلى السد، فيكشفوا عن خبره وينظروا كيف بناه ذو القرنين، وعلى أي صفة، فلما رجعوا أخبروا عن صفته وأن فيه بابا عظيما وعليه أقفال، وأنه بناء محكم شاهق منيف جدا، وأن بقية اللبن الحديد والآلات في برج هناك، وذكروا أنه لا يزال هناك حرس لتلك الملوك المتاخمة لتلك البلاد، ومحلته في شرقي الأرض في جهة الشمال في زاوية الأرض الشرقية الشمالية.
{قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا}
قال ذي القرنين بعد أن فرغ من بناء السد : هذا رحمة من ربي حيث مكننا من بنائه بهذا الحجم
وحتى ندفع به ضرر يأجوج ومأجوج وشرهم الى أن يإذن الله بخروجهم فيصبح هذا البناء العظيم متكسرا مدكوكا مستويا بالأرض.
============================================
أبرز صفات ذو القرنين وأهم البواعث الفعلية لأعماله.
أ - أبرز صفاته:
لقد ظهرت صفات حميدة عدة في شخصية ذي القرنين ونحاول أن نلقي الأضواء على أبرزها :
1- التجرد لله في دعوته وجهاده : فلم يكن تطوافه موقوفاً على أماكن معينة لمصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك ، بل كان يتوخى بيئة الإنسان أياً كانت ليرفعها من وهدة الجاهلية إلى علياء الإيمان ، فبعد أن ظهر على مغرب الشمس ، انطلق إلى مطلعها حيث وجد قوماً ليس لهم ستر دون الشمس من البناء أو الملبس أو الظل ، ومع ما يبعث عليه هذا الفقر والفاقة من الزهادة في أهله ، فإن ذلك لم يمنعه من أن يكون أمره معهم كأمره في أهل المغرب من الدعوة ثم التخيير والاختيار
2- الصبر: كان جلداً صابراً على مشاق الرحلات ، فمثل تلك الحملات التي كان يقوم بها تحتاج إلى جهود جبارة في التنظيم والنقل والتحرك والتأمين ، فالأعمال التي كان يعملها تحتاج إلى جيوش ضخمة ، وإلى عقلية يقظة ، وذكاء وقّاد ، وصبر عظيم والآت ضخمة وأسباب مُعينة على الفتح والنصر والتملك
3) كانت له مهابة ونجابة : يستشعرها من يراه لأول مرة فلا يخطئ ظنه عندما يوقن أنه ليس بملك جبار ولا ظالم ، فعندما بلغ بين السدين ووجد القوم المستضعفين ، استأنسوا به، ووجدوا فيه مخلصاً من الظلم والقهر الواقع عليهم فبادروه سؤال المعونة ، فمن الذي أدراهم بأنه لن يكون مفسداً مثلهم ، ومعه من القوة والعدة ما ليس عندهم
4) الشجـاعة: كان قوى القلب جسوراً غير هيّاب من التبعات الضخمة والمسئوليات العظيمة إذا كان في ذلك مرضات الله سبحانه ، فإن ما طلب منه إقامة السد ، كان عملاً عظيما في ذاته ، حيث أن القوم المفسدين كانوا من الممكن أن يوجهوا إفسادهم إليه وإلى جنوده ، ولكنه أقدم وأقبل غير متأخر ولامدبر
5) التوازن في شخصيته: فلم تؤثر شجاعته على حكمته ، ولم ينقص حزمه من رحمته ، ولا حسمه من رفقه وعدالته ، ولم تكن الدنيا كلها - وقد سخرت له - كافيه لإثنائه عن تواضعه وطهارته وعفته.
6) كثير الشكر : لأنه كان صاحب قلب حي موصول بالله تعالى ، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاوة الغلبة بعد ما أذل كبرياء المفسدين ، بل نسب الفضل إلى ربه سبحانه وقال : (هذا رحمة من ربي ) ( سورة الكهف : آية 98 ).
7) كان عفيفا مترفعا عن مال لا يحتاجه ، ومتاع لا ينفعه ، فإن القوم المستضعفين لما شكوا إليه فساد المعتدين ، عرضوا عليه الخراج أجابهم بعفة وديانة وصلاح : إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه ، وما أنا فيه خير من الذي تبدلونه .
وغير ذلك من الصفات الحميده والأخلاق الكريمة ، والفضائل النبيلة.
ب - أهم البواعث الفعلية لأعماله:
إن مفتاح شخصية ذي القرنين تتمثل في إيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر ، وحبه لأهل الايمان وبغضه لأهل الكفر والعصيان ، وحبه العميق للدعوة إلى الله:
1) الإيمان بالله واليوم الآخر: يظهر ذلك جلياً من شخصية ذي القرنين عند قوله تعالى : ما مكني فيه ربي خير (سورة الكهف : آية 95) وقوله : أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً (سورة الكهف : آية 87). وقوله: فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً (سورة الكهف : آية 98).
وهذه المواضع التي تصرح بأنه كان مؤمنا بالله واليوم الآخر يستفاد منها أمور:
أ - إن الثناء على الحاكم لا يكون بمجرد شجاعة أو فتوح أو عمارة ، ما لم ينضم إليها الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن هناك حكاماً كثيرين كانت لهم من الإصلاحات الدنيوية المجردة ما يعتبرهم الناس من أجله عظماء ، ومع ذلك لم يورد القرآن لهم ذكراً حسناً ، بل جاء في القرآن ذم حكام عمروا في الدنيا كثيراً ولكنهم خربوا أديان الناس وأفسدوا عليهم آخرتهم ، مثل فرعون وهامان والنمرود ونحوهم.
ب - إن التوازن المدهش والخلاب في شخصية ذي القرنين ، سببه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر ، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ، ولا سلطانه على رحمته ، ولاغناه على تواضعه وأصبح مستحقاً لتأيد الله وعونه ، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة ، وهو تفضل من الله تعالى على عبده الصالح ، فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار
وكذلك أكرمه: بكثرة الأعوان والجنود وقذف الرعب في قلوب الأعداء وتسهيل السير عليه ، وتعريفه فجاج الأرض ، واستيلائه على برها وبحرها ، وتمكنه بذلك من تملك المشارق والمغارب من الأرض ، فكل هذه الأمور لا تعطى لشخص عادي ، ولا يمكن أن يحققها حاكم بحوله وذكائه مهما بلغا ، إلا أن يكون مؤيداً من الله ، ذلك التأييد الذي ينصر الله به عباده المؤمنين . ويدل على هذه العناية أيضاً ضمير العظمة في قوله تعالى: (وآتيناه من كل شئ سبباً) أي أمده بكل ما أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقه بسلطانه ، فزوده بعلم منازل الأرض وأعلامها وعرّفه ألسنة الأقوام الذين كان يغزوهم ، فكان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم .
لقد كانت رعاية الله لذي القرنيين عظيمة بسبب إيمانه بالله ، واستعداده لليوم الآخر ؛ ولذلك فتح له باب التوفيق وحقق ما صبى إليه من أهداف وغاية سامية.
2) ومن بواعث أعماله الخالده حبه للدعوة الى الله : فقد جمع بين الفتوحات العظيمة بحد السيف، وفتوحات القلوب بالإيمان والإحسان ، فكان إذا ظفر بأمة أو شعب دعاهم إلى الحق والإيمان بالله تعالى قبل العقاب أو الثواب ، وكان حريصاً على الأعمال الإصلاحية في كافة الأقاليم والبلاد التي فتحها ، فسعى في بسط سلطان الحق ، والعدالة في الأرض ، شرقاً وغرباً ، وكان صاحب ولاء ومحبة لأهل الإيمان، مثلما كان معادياً لأهل الكفران .
قصة ذي القرنين
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesso...&lesson_id=5652
الروابط المفضلة