السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخترت لكم هذا المقتطف من الدروس القيمة التي عرضت على قناة المجد للشيخ محمد حسان -حفظه الله- و قد عنونت الموضوع باجتهاد مني...
....
الفرار من الجهل إلى العلم، والجهل نوعان :
جهل بالحق، وعدم العمل بالحق، هذا أيضاً يعد جهلاً ، فالفار إلى الله عز وجل يفر من الجهل إلى العلم يفر من الجهل بالله بدينه بأمره بنهيه بحده إلى العلم بالله تبارك وتعالى إلى معرفة أسمائه الحسنى إلى معرفة صفاته العلى إلى معرفة حدوده إلى معرفة أوامره إلى معرفة نواهيه ويفر بعد ذلك من الكسل إلى العمل يقبل على الله بهمة عالية فإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام، محال أن يفر إلى الله تبارك وتعالى وهو كسول وهو نؤوم وهو مخذول بل لابد أن يحول هذا الفرار إلى عمل أن ينتقل من الذنب إلى الطاعة أن يفر من البدعة إلى السنة أن يفر من الضلال إلى الهدى أن يفر من الشر إلى الخير، أن يفر من الحرام إلى الحلال، أن يفر من المعصية إلى الطاعة أن يفر إلى الله عز وجل .
وفراراً من الضيق إلى السعة، ثقة ورجاء من الضيق بالهموم والآلام والأحزان والأكدار في هذه الدنيا، إلى الله جلّ وعلا وهو على ثقة أنه سيجد عند الله السعة سيجد عند الله الفضل سيجد عند الله الخير، سيجد عند الله انشراح الصدر، قال الله جلّ وعلا ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴿2﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾[الطلاق: 2-3] .
قال الله جلّ وعلا ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾[الطلاق:3]
قال الله جلّ وعلا ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[النحل:97] .
يفر إلى الله تبارك وتعالى ليرتقي بعد ذلك ولينزل مقام الثقة مقام الثقة بالله ومقام التوكل على الله عز وجل، والتوكل ليس كلمة أرددها الآن بلساني فحسب، بل التوكل هو جماع الإيمان وهو نهاية تحقيق التوحيد فهو صدق اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب لا يترك مقام المحاسبة ولا مقام المراقبة، ولا مقام الخوف ولا مقام الفرار، ولا مقام اليقظة ولا مقام، لا بل يستصحب كل هذه المقامات وهو في طريقة على رب الأرض والسماوات حتى ينزل مقام الإحسان أن يعبد الله عز وجل كأنه يراه فإن لم يكن يراه فالله سبحانه وتعالى يراه فالتوكل ليس كلمة بل هو دين كامل ومنهج شامل، ولا يتسع الوقت للحديث عن التوكل فما أروعه، وما أعظمه وتأتي بعد ذلك منزلة الثقة، ويأتي مقام الثقة سويداء قلب التسليم ونقطة دائرة التفويض وروح التوكل ولبه أرقى من التوكل الثقة في الله، هي سويداء قلب التسليم ونقطة دائرة التفويض وروح التوكل ولبه ، الله الله.
قال ابن القيم رحمه الله : "ومقام الثقة إلى التوكل كمقام الإحسان إلى الإيمان، فالثقة أعلى من التوكل،
لا يمكن على الإطلاق أن تذوق حلاوة الأنس بالله وحلاوة القرب منه وحلاوة معرفته إلا إن امتلأ قلبك بالثقة فيه
وما أحوج الأمة الآن إلى أن تجدد ثقتها في ربها تبارك وتعالى فأنا أرى أن الأمة لا ينقصها شيء من الماديات لكن تحتاج إلى أن تثق في رب الأرض والسماوات" .
من الذي وثق فيه فخيبه ؟من الذي وثق فيه فضيعه ؟ وقطع رجاءه؟
إنها الثقة التي ملأت قلب نوح وهو يصنع السفينة على الرمال، ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾[هود:38] أين الماء يا نوح، هل ستجري سفينتك على الرمال، فلما جد الجد نادى ربه بثقة ﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴿10﴾ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴿11﴾ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴿12﴾ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿13﴾ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴾[القمر:10-13].
إنها الثقة التي ملأت قلب إبراهيم، حين ألقي في النار، وأنزل له العزيز الغفار جبريل عليه السلام وجبريل يقول ألك حاجة؟ فيرد إبراهيم بثقة حسبي الله ونعم الوكيل
إنها الثقة التي ملأت قلبه حين أخذ السكين وأخذ ولده فلذة كبده وثمرة فؤاده ليذبحه ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ فيرد إسماعيل بثقة ﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾[الصافات:102].
أرأيتم قلباً أبوياً يتقبل أمراً يأباه أرأيتم ابناً يتلقى أمراً بالذبح ويرضاه
ويجيب الابن بلا فزع افعل ما تؤمر أبتاه لن أعصي لإلهي أمراً من يعصي يوماً مولاه
واستل الوالد سكيناً واستسلم ابن لرداه ألقاه برفق لجبينه كي لا تتلقى عيناه
وتهز الكون ضرعات ودعاء يقبله الله تتضرع للرب الأعلى أرض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته سبقت في فضل عطاياه صدقت الرؤيا لا تحزن يا إبراهيم فديناه
إنها الثقة التي ملأت قلب موسى حينما قال له أصحابه إنا لمدركون ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿61﴾ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾[الشعراء:61-62] إنها الثقة التي ملأت قلب أم موسى وهي تلقي ولدها في البحر هل سمعتم في الدنيا كلها عن أم يقال لها إن خفت على ولدك ارميه في البحر ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾[القصص:7] فتلقي أم موسى موسى بثقة ويتهادى التابوت، ويلقي الله عز وجل على موسى ستراً رقيقاً ينجيه به ألا وهو ستر المحبة فحين نظرت إليه امرأة فرعون قالت ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ ﴾[القصص:9] وينجي الله موسى بهذا الستر الرقيق ستر المحبة التي قذفها الله في قلب امرأة فرعون ويحرم الله عليه المراضع لترضعه أمه كما وعدت جلّ وعلا، أرجو أن تتصوروا معي أم موسى الآن تجلس في قصر فرعون، وفرعون يجلس إلى جوارها وأم موسى في صدرها وفرعون يأمرها أرضعيه، لا إله إلا الله، أكرميه أشبعيه، فالأمس القريب كانت تخشى على موسى، من فرعون وملأه وهي الآن ترضع موسى في قصر فرعون بأمره،
الله، الله، ما أحلاها من ثقة إنها الثقة التي ملأت قلب الحبيب محمد حينما ناداه الصديق في حوار هامس، يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا في الغار، قال الرسول بثقة ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا، إنها الثقة التي ملأت قلوب الصحابة ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:173-174]
إنها الثقة التي ملأت قلب هاجر حين وضعها إبراهيم ورضيعها المبارك عند دوحة فوق زمزم وانصرف وتعلقت به هاجر أستاذة الدنيا في الثقة، قالت إلى من تتركنا في هذا الوادي الذي لا إنس فيه، ولا شيء؟ فأشار برأسه إلى السماء.
قالت : أألله أمرك بهذا ؟ قال نعم ، فردت بثقة إذاً لا يضيعنا، الله، إذاً لا يضيعنا وهي لا ترى إنساً ولا أنُسا إذاً لا يضيعنا وهي لا ترى ماءً ولا بيتاً ولا مخلوقاً إذاً لا يضيعنا وهي لا ترى إلا رمال مكة التي انعكست عليها أشعة الشمس المحرقة فكادت الأشعة المنعكسة أن تخطف الأبصار إذاً لا يضيعنا وهي لا ترى حولها إلا جبال مكة التي سودتها حرارة الشمس التي تصهر الحديد فضلاً عن الحجارة وتركها إبراهيم، ونفد الطعام التمر والماء، وجف اللبن في صدرها وراحت تبحث عن أي شيء بين جبلين قريبين الصفا والمروة وهنالك على المروة في الشوط السابع سمعت صوتاً فقالت صهٍ صهٍ ونظرت ناحية الرضيع فوجدت جبريل يلامس بجناحيه، وجدت الملك وهو يقول لها لا تخافي الضيعة، إن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وفى رواية الطبري بسند حسنه الحافظ بن حجر في كتاب الحج من حديث على رضي الله عنه أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فنادى جبريل هاجر، وقال لها من أنتِ؟ قالت أنا أم ولد إبراهيم ) نسبت نفسها إلى إبراهيم لأن إبراهيم معروف لأهل السماء ( أنا أم ولد إبراهيم قال
: وإلى من وكلكما ؟ قالت إلى الله، قال وكلكما إلى كاف " أليس الله بكاف عبده" .
أيها الأحبة وهكذا العبد السائر إلى الله تبارك وتعالى ينتقل من مقام إلى مقام ومن مقام إلى مقام لا يترك المقام الذي نزل فيه بل يستصحب معه هذا المقام حتى يصل إلى مقام الإحسان فيعبد الله تبارك وتعالى فإن لم يكن يراه فليكن على يقين مطلق بأن الله عز وجل يراه فهو يراقب الله عز وجل فوق أي أرض ويراقب الله عز وجل تحت أي سماء
بل يعلم يقينا أن الله عز وجل يسمع ويرى تبارك الذي وسع سمعه الأصوات .
جاءت المرأة المجادلة تشتكي إلى رسول الله تقول عائشة وأنا في جانب الحجرة لا أسمع كثيراً من كلامها قالت فسمع الله صوتها من فوق سبع سماوات ونزل قوله تعالى ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾[المجادلة:1] والعبد يعلم أن الله يرى فالله جلّ وعلا يسمع دبيب النملة السوداء ويرى النملة السوداء تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء فالعبد مراقب لربه تبارك وتعالى لا يغيب عنه أبداً مقام المراقبة، وهذا هو مقام الإحسان .
نسأل الله جلّ وعلا أن يملأ قلوبنا بالإحسان وأن يجعلنا من المحسنين ونسأل الله أن يذيقنا برد عفوه وحلاوة مغفرته، وأن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة .
اللهم لا تفضحنا بخفي ما اطلعت عليه من أسرارنا ولا بقبيح ما تجرأنا له عليك في خلواتنا اللهم اغفر لنا الذنوب واستر علينا العيوب وفرج لنا الكروب واكشف عنا الهموم وأزل عنا الغموم اللهم اردنا إليك رداً جميلاً، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً اللهم خذ بنواصينا إليك .َََ
00000000000000000000000000000000
آآآآآآآمين
المصدر www.islamacademy.net
الروابط المفضلة