الحمد لله معز الإسلام بنصره ، ومذل الشرك بقهره ، ومصرف الأمور بأمره ، ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولاً بعدله ، وجعل العاقبة للمتقين بفضله ،
والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه .
أن معركة الفلوجة " أحيت معاني العزة والكرامة والإباء ، وأيقنت الأمة أن هناك ثلة من أبنائها قادرين على مواجهة الأخطار الكالحة بكل جراة وثبات وعزيمة ، وأن هذه الثلة صدقت مع أمتها في خططها ومشاريعها التي أعدتها في انبعاث الأمة من جديد وبذلت من أجل ذلك كثيرا من الدماء;
أن " الأمة تعلمت وهي في ذلتها وانكسارها أنها تستطيع أن تواجه وترابط وتعارك أسياد الأرض وطغاتها بعصابة قليلة من أبنائها ، وبعتاد خفيف من السلاح تستطيع بذلك أن تلحق بالعدوخسائر جسيمة أليمة وتجبره على تجرع كأس الهزيمة المر .
فهاتيك عبرة جديدة أُرسلها عبر أثير الكلمات ..وهاتيك خفقة حانية أصدرها من صميم القلب وضلوع الجنبات..
من جندي واقف على عتبات الحرب ، وأزيز المعمعات ..إلى من يراه من أهل الأوقات والمروءات لم تزل تكابدني آلام الأمة المحزونة ، لم تزل تفارقني أشباح الأمة المطعونة ، أمة المجد العظيم والشرف الكريم ، سامتها أيدي الغدر ألوانا من الشر المهين ؛ فتوسدت لحاف الذل والمهانة ، وتجرعت كؤوس القهر والخيانة ، وأقعدت عن واجباتها ومهامها ، وحجبت عن أحلامها آمالها .
وبات المرض يعوث أركان الجسد ، ثم طـُرح أرضاً وشـُـدت أركانه إلى وتد ، وتكالبت عليه وحوش الأرض مع الذئاب ، وغدت أوصاله مقطعة بين المخالب والأنياب ؛ فذاك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان - رضي الله عنه - قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها " قال : قلنا يا رسول الله : أ من قلة بنا يومئذ ؟ قال " أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ، يـُـنتزع المهابة من قلوب عدوكم ويـُـجعل في قلوبكم الوهن "
قال ، قلنا : ما الوهن ؟ قال : " حب الحياة وكراهية الموت " وفي روايةأخرى لأحمد " وكراهيتكم القتال " .
فلتعلموا أهل الإسلام .. أن الابتلا تاريخ وقصة طويلة منذ أن نزلت ( لا إله إلا الله على هذه الأرض ) فابتلي الأنبياء والصادقون ، وكذلك الأئمة الموحدون .
فمن جرد نفسه لحمل كلمة ( لا إله إلا الله ) ونصرها وإقامتها في الأرض عليه أن يدفع تكاليف هذا التشريف من تعب ونصب وبلاء .
فأين أنت .. والطريق طريق تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورمي في النار الخليل ، وأضجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ، ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحي ، وقاسى الضر أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم .
وتزهى أنت باللهو واللعب!! والله تعالى يبتلي بعض الخلق ببعض ، ويبتلي المؤمن بالكافر، كما يبتلي الكافر بالمؤمن ، وهذا النوع من الابتلاء هو قاسم مشترك بينهم جميعا قال تعالى : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور }
روى مسلم عن نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال :
" إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك "
والذي علمناه من القرآن والسنة أن من الأنبيا من قتله أعداؤه ومثلوا به كيحيى ، ومنهم من هم قومه بقتله ففارقهم ناجياً بنفسه كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام ، وعيسى الذي رفع إلى السماء .
ونجد من المؤمنين من يُسام سوؤ العذاب ، وفيهم من يلقى في الأخدود ، وفيهم من يستشهد ، وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا !!
الابتلاء هو قدر الله في جميع خلقه ، ولكنه يزداد ويعظم في شدته على الأخيار الذين اجتبتهم عناية الله وخاصة المجاهدين منهم لابد لهم من مدرسة الابتلاء .. لا بد لهم من دروس التمحيص والتهذيب والتربية .
ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال : " الأنبيا ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة " .
وروى البيهقي في شعب الإيمان ، والطبراني في المعجم الكبير ، وابن سعد في الطبقات ، عن عبدالله بن إياس بن أبي فاطمة عن أبيه عن جده قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من أحب أن يصح ولا يسقم ؟؟ " قلنا : نحن يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مـــه ؟ " وعرفناها في وجهه ، فقال : " أتحبون أن تكونوا كالحمير الصيالة ؟ " قال ، قالوا : يا رسول الله .. لا ، قال : " ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلا وأصحاب كفارات ؟ " قالوا بلى يا ررسول الله قال فقال رسول الله صلى الله عليه ولم : " فوالله إن الله ليبتلي االمؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه ، وإن له عنده منزلة ما يبلغها بشي من عمله دون أن ينزل به من البلاء ما يبلغ به تلك المنزلة " .
وروى الترمذي عن جابر- رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلا "
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنه يؤتى يوم القيامة بأنعم الناس كان في الدنيا ، فيقول الله عز وجل : اصبغوه في النار صبغة ، ثم يؤتى به فيقول يا ابن آدم هل أصبت نعيماً قط هل رأيت قرة عين قط ؟ هل أبت رورا قط ؟ ثم يقول لا وعزتك .
ثم يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا ، فيقول تبارك وتعالى اصبغوه في الجنة صبغة ينصبغ فيها ، فيقول : يا ابن آدم هل رأيت ما تكره قط ، فيقول : لا وعزتك ما رأيت شيئا قط أكرهه "
قال شقيق البلخي : ( من يرى ثواب الشدة لا يشتهي الخروج منها ، والله عز وجل شرع الجهاد تكملة لشرائع الدين ورفع منزلته عالياً حتى ار في ذروة التكليف الرباني ، وجعل فيه شدة وبلا تكرهه النفوس وتجبن عنده الطباع ، ثم حببه وقربه من جوهر الإيمان ومكنون التوحيد ، فلا يطلبه إلا صادق الإيمان قوي البرهان :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } .
فحقيقة الجهاد .. قائمة على صقل النفس وتجريدها لربها وخالقها بفعل أوامره ، والإقدام على وعوده ، وهذا لا يكون إلا إذا حـُف هذا الطريق بالشدائد والمحن ؛ ولهذا يقول الله عز وجل :
{ ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم }
ويقول : { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } قال ابن كثير في تفسير هذه الآية :
( أي لابد أن يعقد شيئا من المحنة يظهر فيه وليه ، ويفضح فيه عدوه ، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر ، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين ، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم ، وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
وهتك به استار المنافقين فظهرت مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد ، وخيانتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وتأملوا يا عباد الله قوله سبحانه تعالى :{ ومنهم من يعبد الله على حرف فإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة } .
روى البغوي في التفسير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ( أن الرجل من الأعراب كان يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولد له بعد الإسلام غلام وتناسل فيه وكثر ماله ، قال هذا دين حسن ، هذا دين جيد ، فآمن وثبت ؛ أما إذا لم يولد له غلام ولم يتكاثر خيله ، ولم يكثر ماله ، وأصابه قحط أو جدب قال هذا دين سيئ ، ثم خرج من دينه وتركه على كفره وعناده ) .
الروابط المفضلة