بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الكريمات في الله
السلام عليكن ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
من موقع " التميز لإدارة الحلقات القرآنية " أهدي إليكم هذا البحث المتميز الذي أرجو أن ينفعكم الله تعالى به ، وان يعينكم على ان تنفعوا به غيركم ،
وهو للأستاذ : " أحمد بن محمد "،
وعنوانه الأصلي هو :" المعلم ، كيف يجدِّد نفسه ؟"
مقـدمة
الحمد لله الذي شـرف من يشـاء من عباده المؤمنين، بأن شملهم بقول خـير المرسلين : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ، فجعلهم من خدام القرآن وحامليه ، ومتعلميه ومعلميه ، ومحبيه ومتبعيه ، وحـافظيه ومتقنيه يبشرون به العامل ، ويوقظون به الخامل ، ويجيبون به السائل ، يعلمونه الصغار ، ويقرئونه الكبار ، وينشرونه في سائـر الأمصار ، ويقومون به الليل والنهار ، يرجـون به وجه الواحـد القهار ، العزيز الغفار .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
مهما استفحلت علل الأمم ففي كتاب الله شفاؤها . ومهما تراكمت غياهب الظلم ففي نور القـرآن جلاؤها ومهما ران على القلوب ففي آي الذكر الحكيم نقاؤها وصفاؤها .
[ فكتاب الله فينا خالدٌ
إنه يشعل في أنفسنا
إنه يبعث في أرواحنا
فتح الدنيا به أسلافنا
وتركناه فَهُنَّا بعدهُ
تنجلي آياته في كل حينْ
جذوة الدين وعز المؤمنينْ
قوة هائلة لا تستكينْ
من ربى الغرب إلى السور المكينْ ( )
وغدونا مضغة للآكلينْ ] ( )
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بإذن ربه حول العرب من رعاة للغنم ، إلى قادة للأمم ، ومن بدو عاشوا حيـاة الظلم والجلافة ، إلى عمالقة أقاموا ميزان العدل وازدانت بهم الخلافة ، صـلوات الله علـى الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، والأسوة المرتضاة ، والمربـي الـذي سينجح المربون ما ترسموا خطاه ، وسلم تسليماً كثيراً ما سجدت لله جباه ، وترنمت بذكره شفاه .
وبعد …
فقد كانت البشرية تعيش في تخبط وتيه ، توزع ولاءاتها بين طواغيتَ ، وأصنام وكهان ومشعوذين ، حيث أسلمت يدها _ كالأعمى _ لهؤلاء يقودونها كيف شاءوا ، وأينما أرادوا .
فجاء كتاب الله ليعدل مسارها ، ويرفع قدرها ، وينظم سيرها ، فقال تعالى :
[ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ] ( ) ، فتحولت هذه الأمة من همج رعاع ، إلى دعاة خير جابوا به الأصقاع ، فبنوا بالأخلاق الفاضلة قلاعاً ، وتفانوا في ذات الله حباً وانصياعاً .
ثم دار الزمان دورته ، وأصبح الحال كما قال الشاعر :
[ وما فتئ الزمان يدور حتى
وأصبح لا يرى في الركب قومي
وآلمني وآلم كلَّ حرٍّ
مضى بالمجد قوم آخرونا
وقد عاشوا أئمته سنينا
سؤال الدهر أين المسلمونـا ؟ ] ( )
واليوم بدت تباشير العودة المحمودة ، واليقظة الرشيدة ، من إقبال الشباب إلى كتاب ربهم ، يتحلقون حوله ويتنسمون عبيره ، ويقبسون أنواره ، ويشهدون أسـراره ، ويلتفون حول مشايخه ومعلميه ، وينهلون من علمهم ويتتلمذون على أيديهم ، في حلقات المسـاجد المبـاركة والتي أقامتها جمعية تحفيـظ القرآن الكـريم
بالطائف ، ومثيلاتها في بلد الحرمين الشريفين ، وما يشابهها من خلاوي وكتاتيب حفظ القرآن الكريم في البلاد الإسلامية .
شكر وتقدير
ومن الواجب على المسلم الذي يحب الله وكتابه أن يدعو لهؤلاء القائمين على جمعيات التحفيظ الخيرية عامة وللقائمـين علـى جمعيـة تحفيظ الطـائف خـاصة بالتـوفيق في مسيرتهم وأن يشكرهم على حسن صنيعهم . حتى يعم الخير ، ويسكن القرآن كل قلب ، ويـحرك كـل لســان ، ويعطـر كل أذن ، ويسعـد كل بيت . ومـا ذلك على الله بعزيز ، وفقهـم الله فيمـا يعملـون ، وجزاهم خيرا على ما يقدمون .
أولاً : أسباب اختيار المعلم كموضوع للبحث
1_ إن معلم القرآن هو تاج رأسنا ، وغرة جبيننا ، وإنسان عيننا ، وواسطة عقدنا ، فالآمال عليه معقودة ، والأنظار إليه مصوبة ، فأردتُ أن يكون هذا الحديث معه حباً صافياً ، ونصحاً خالصاً ، ليعتز برسالته ، ويقوم بمهمته .
2_ أن معلم القرآن هو محور ارتكاز العملية التعليمية وكل ما حوله وسائل مساعدة ، وعناصر مساندة ، إذا غابت فلربما تأثر دوره لكنه لا ينعدم ، على العكس ما إذا توفرت كل العوامل والوسائل والعناصر وغاب هو ، فلا عمل ولا تحفيظ ولا حلقات.
3_ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ خيركم من تعلم القرآن وعلمه } ( ) وتلك شهادة ممن لا ينطق عن الهوى تفيد أن متعلم القرآن ومعلمه هو خير زمانه ، وأفضل عصره ، فيُنتظَرُ ممن جمع قطبي الخيرية على قدره ، ويؤَّملُ منه على حجمه .
[ قيل لرجل : نريد منك شغيلاً : أي حاجة صغيرة ، قال : اطلبوا لها رجيلاً : أي بعض رجل ، أما أنا فللكبار ] ( ).
ولا أكبر من مهمة إرجاع أمة بأسرها ، إلى كتاب الله ، ولا يفترض أن يكون أكبر همة ، ولا أوفر عزمة ممن شهد له بالخيرية ، واستضاء باطنه بالأضواء الربانية .
4_ المعلم هو الأهم : لأن كل إنسان يحتاج أن يكون معلماً ولو لبعض الأحيان وهو في بيته ، أو في الشارع ، أو في المسجد ، لذلك قيل هي مهنة من لا مهنة له ، وليس كل إنسان في حاجة أن يكون مديراً ، أو طبيباً ، أو مهندساً لذلك فضلت التحدث في هذا الموضوع .
5_ لأن المعلم هو الشخص الذي سيتولى تنفيذ التعليمات والقرارات والعمل بالتعميمات ، والمتابعة المباشرة للطالب ومواجهة المشكلات ، ولن يستطيعها إلا معلم ناجح ، حدد مهمته ، وحمل رسالته ، وعرف وجهته .
6_ إن حامل القرآن هو صنعة الله في أرضه ، ومنحته لخلقه ، قال تعالى : [ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتـُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمـَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ] ( ) قـال ابن عباس رضي الله عنهما وأبو رزين وغير واحد : { ربانيين : أي حكماء علماء حلماء وقال الحسن : فقهاء ، بما كنتم تعلمون : من التعليم } .
وهذا أمر الله لرسوله أن يطلب كل الناس أن يكونوا علماء بكتاب ربهم ، حافظين له ، معلمين لـه ، فاستحق صاحب هذه المكانة أن يوجه الخطاب إليه ، وتعلق الآمـال _ بعد الله _ عليه .
7_ كما أن في المستشفيات من المصحات ، ووسائل العلاج واستئصال الداء ، والمساعدات من أَسِرَّةٍ ، وأجهزة وحاملات ، ومختبرات ، وأجهزة قيـاس ، وإدارات ، ولكن الطبيب هو الذي يقرر ماذا يستعمل ، ومتى ، وكيف وبأي قدر ، كـذلك فمعلم القرآن هو فارس الميدان ، وبطل الحلبة ، وقائد المعمعة ، وطبيب المصحـة ، الذي يعايش الطالب ويسمعه ، ويرقبه ، ويشهد تصرفاته ، ويعرف مستـواه ، ويتابع أحواله ، ويؤثر فيه ويعرف مواطن الخلل فيه فيصف الدواء بحكمته ، ويستأصل الداء بمهارته ، بعد فضل الله وتوفيقه . لذلك فضل الباحث التحدث عنه والكلام إليه .
ثانيــــــــاً : تحيـــــــــة :P
تحية إلى من يطأ الثرى بقدميه ، ويستنشق الهواء برئتيه ، تحية إلى من ينفق من مشاعره وأحاسيسه قبل أن ينفق من أوقاته ، وينفق من دمه ونفسه أضعاف ما ينفق من تعليمه وتـوجيهاته ، تحية إلى من يحاول أن يرد المعوج إلى طريقه والمنحرف إلى سبيله ، والناد إلى جادته ، والعاق إلى بره ، والجافي إلى عقله ، والمفـرط إلى صوابه ، والفاسق إلى دينه تحية إلى من حجز لنفسه في المسجد جلسته ، ليحجز لنفسه في الجنة درجته . وجعل من أبناء المسلمين أبناءه ، فغدا عليهم شفيقاً ، وبهم رفيقاً ، يسعى لزيادتهم كما وكيفاً ، ويجتهد في تعليمهم شتاءً وصيفاً .
تحية إلى من حبس حاجته في صدره ، ولم يبح إلا بحاجة واحدة هي أن يتفيأ الجيل المسلم ظلال القرآن ، ويستنشق عبير الإيمان ، ويفيء إلى طاعة الرحمن ، ولأجل هذا يضحي بالغالي والرخيص ، ويجود بالبسيط والنفيس .
تحية إلى من لم يشغل نفسه بماذا أخذت ؟ ولكنه يسأل : كم أعطيت ، كـم وجهت ، كم علمت ، كم أفدت ونصحت ، ماذا أثرت ، سؤالَ اللائم نفسَه ، وقبل أن يتهم طلابه يتهم نفسه ، يقول : لعلي لم أجرد نيتي ، لعلي لم أحسن طريقتي ، لعلي زدت في قسوتي ، لعلي أفرطت في تجاوزي ومسامحتي ، تحية إلى خير الأمة ، كما شهد بذلك نبي الأمة ، حين قال كما روى البخاري ، عن فضـل المقـرئ والقارئ : [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] ، فحاز الخيرية من طرفيها تعلم وعلـم ، وقـرأ وأقرأ ، وصلح وأصلح ، ورشد وأرشد ، تحية إلى من سكن القرى والهجر واصطحب معه النور الذي لا يخبو يبدد الظلام ، ويوقظ النيام ، ويبارك به الأيام .
يتبع
الروابط المفضلة