السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحْكَـام ُ
الهَـدْيِ والأضَاحِي
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[شريط مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أحمد الله شاهدا أنه لا إله إلا هو الحي القيوم القائم بالقسط العزيز الحكيم.
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وأشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد.
اللهم صل وسلم وبارك على عبد ورسولك محمد كفاء ما علّم وبيّن وكفاء ما أرشد وجاهد في الله حق الجهاد، وعلى الآل والصحب أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل العلم النافع والعمل الصالح، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم اجعل قلوبنا خاشعة لك مُنِيبة إليك، نسألك الازدياد من العلم والعمل، ونعوذ بك من الضلال والغيّ بعد الهُدى والإيمان.
موضوع هذه المحاضرة أو هذا الدرس:
أحْكَامُ الهَدْي ِوَالأَضَاحِي
وهذا الموضوع يُذكر في كتب أهل العلم بعد أحكام الحج؛ لأن أحكام الهدي والأضحية متعلقة بالحج، لأن الهدي يُفعل في مكة -يفعله الحاج- والأضحية أيضا يفعلها الحاج ويفعلها غيرُه.
وبعض أهل العلم يذكر أحكام الهدي والأضاحي بعد كتاب الذبائح في أواخر أبواب الفقه؛ وذلك لأن بعضهم درج على ذكر أحكام الأطعمة والأشربة في أواخر كتب أهل العلم، ويذكر بعد الأطعمة الذبائح، ويذكر بعد الذبائح الأضاحي والهدي.
وعلى كلٍّ فهذا الموضوع مهم؛ لأنه متعلق بعبادة عظيمة يحبها الله جل وعلا ويرضاها ألا وهي إراقة الدم تقربا إلى الله جل وعلا.
أحكام الأضاحي والهدي
الهدي غير الأضحية وبينهما فرق.
وأصل معنى الهدي هو ما يُهدى إلى الله جل وعلا في مكة -يعني في الحرم- مما يذبح تقربا إليه جل وعلا وازدلافا إليه.
وأما الأضحية فهي كل ذبح ودم أُريق لله جل وعلا في زمنه المخصوص.
فالهدي قد يكون في أيام مخصوصة؛ يعني في يوم النحر والأيام التي بعده، وقد يكون في أي يوم من السنة في العمْرة، والهدي يكون في يوم الأضحى وأيام التشريق ويكون في غير هذه الأيام؛ لأن الهدي مستحب في العمرة كما أنه مستحب أو واجب في الحج بحسب تفصيل الأحكام التي ستأتي.
وأما الأضحية فهي ما يُذبح من بهيمة الأنعام في أيام مخصوصة في يوم الأضحى وثلاثة الأيام بعده سواء أكان في مكة أو في غيرها للحاضر وللمسافر.
فصار هناك أيضا اشتراك ما بين الأضاحي والهدي وهناك اختلاف فيما بينها.
وكذلك الأحكام أكثرها واحد فيما بين الأضاحي والهدي، وهناك اختلاف في بعض الأحكام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية:
أصل مشروعية الأضاحي والهدي
أصل مشروعية الأضاحي ما قصَّ الله جل وعلا علينا من خبر إبراهيم عليه السلام مع ابنه حيث قال جل وعلا ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾[الصافات:102]، إلى أن قال جل وعلا ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ(105)[إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاَءُ المُبِينُ(106)]( )وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾[الصافات:103-107]، فَفُدِي إسماعيل عليه السلام بكبش أمَرَ الله جل وعلا إبراهيم أن يذبحه بدل ذبح نَفْسِ إسماعيل، وإبراهيم عليه السلام إمام الموحدين وإمام الحنفاء، وإسماعيل عليه السلام كذلك إمام الموحدين وإمام الحنفاء وأبٌ للعرب، وإبراهيم أب للعرب ولغيرهم.
فدلّ هذا على أن هذه السنة مضت بفعل إبراهيم عليه السلام حيث إن أصل الذبح كان فداءً لإسماعيل عليه السلام من الذبح.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم إن أصل مشروعية الذبح في الأضاحي والهدي إن أصل مشروعيته هو فداء النفس، والمقصود من ذلك المنة بما عوّض الله جل وعلا إبراهيم عليه السلام عن ذبح ولده وقرة عينه بذبح الكبش، وما اختص الله جل وعلا إسماعيل أيضا به من الامتنان والفضل.
والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كان يضحي؛ فضحَّى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حضرا وسفرا، وكان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يعظِّم ذلك ويحثُّ عليه حتى كان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يضحي بكبش أو بكبشين في المدينة وفي غيرها وفي مكة؛ بل ضحى في مكة وأهدى لما حج عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ضحى وأهدى أيضا فجمع بين هذه وهذه.
وقال ابن القيم وغيره من أهل العلم إن سنة الأضاحي والتقرب إلى الله جل وعلا بالدم موجودة بين أكثر أهل الملل؛ بل قال كل أهل الملل؛ لأنها من سنن المرسلين القديمة التي أمر الله جل وعلا أنبياءه بها.
(1 ) لم يذكرها الشيخ
الروابط المفضلة