السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفضل أيام الدنيا
من رحمة الله (تبارك وتعالى) أنه فاضل بـيـن الأزمـنــة، فـاصـطـفـى واجتبى منها ما شاء بحـكـمـتــه، قــــال (عـــز وجل): ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ..)) [القصص: 68] .
والأمر الذي يحتاج إلى وقفة تأمل: التباين الكبير بين كـــون عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل فيما سواها، وبين واقع الناس وحالهم في تلك العشر.وإنه لا يحصل فيها ولو شيء مما يحصل في رمضان؛ من النشاط في عمل الآخــــرة .
فضل عشر ذي الحجة:
قد دل على فضلها أمور :
الأول: قال (تعالى): ((وَالْفَجْر وَلَيَالٍ عَشْرٍ)) [الفجر: 1، 2] قال غير واحد: إنها عشر ذي الحجة، وهو الصحيح. ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء في تعيينها.
الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شهد أنها أعظم أيام الدنيا، وجاء ذلك في أحاديث كثيرة منها: قوله (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). وقوله : (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير و التحميد).
الثالث: أنه حث على العمل الصالح فيها، وأمر بكثرة التهليل والتكبير.
الرابع: أن فيها يوم عرفة ويوم النحر.
الخامس: أنها مكان لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها.
أنواع العمل الصالح في أيام العشر:
وقد جاء في النص محبة الله للعمل في العشر
وأنواع العمل فيها ما يلي:
الأول: التوبة النصوح:
وهي الرجوع إلى الله تعالى، مما يكرهه ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً، ندماً على ما مضى، وتركاً في الحال، وعزماً على ألا يعود .
الثاني: أداء الحج والعمرة:
وهما واقعان في العشر، باعتبار وقوع معظم مناسك الحج فيها، ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين العبادتين العظيمتين، وحث عليهما؛ لأن في ذلك تطهيراً للنفس من آثار الذنوب ودنس المعاصي، ليصبح أهلاً لكرامة الله (تعالى) في الآخرة.
الثالث: المحافظة على الواجبات:
والمقصود: أداؤها في أوقاتها وإحسانها بإتمامها على الصفة الشرعية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ومراعاة سننها وآدابها. وهي أول ما ينشغل به العبد في حياته كلها؛ روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه .... الحديث).قال الحافظ: (وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به: امتثال الأمر، واحترام الآمر، وتعظيمه بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية، وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل). والمحافظة على الواجبات صفة من الصفات التي امتدح الله بها عبـاده المؤمنين، قال (عز وجل): ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) [المعارج: 34]، وتتأكد هذه المحافظة في هذه الأيام، لمحبة الله للعمل فيها، ومضاعفة الأجر.
الرابع: الإكثار من الأعمال الصالحة:
إن العمل الصالح محبوب لله (تعالى) في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة، وهذا يعني فضل العمل فيها، وعظم ثوابه، فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر وقته في هذه العشر بطاعة الله (تعالى)، من: الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك من طرق الخير، وهذا من أعظم الأسباب لجلب محبة الله (تعالى).
الخامس: الذكر:
وله مزية على غيره من الأعمال؛ للنص عليه في قوله (تعالى): ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)) [الحج: 28] قال ابن عباس: أيام العشر، أي: يحمدونه ويشكرونه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ويدخل فيه: التكبير والتسمية على الأضحية والهدي، ولقوله: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير و التحميد).
السادس: التكبير:
يسن إظهار التكبير في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق، وغيرها، يجهر به الرجال، وتسر به المرأة، إعلاناً بتعظيم الله (تعالى).
وأما صيغة التكبير فإن أصح ما ورد فيه: قول سلمان: (كبروا الله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً). وهناك صيغ وصفات أخرى واردة عن الصحابة والتابعين. وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريـرة كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. والمراد: يتذكر الناس التكبير، فيكبرون بسبب تكبيرهما، والله أعلم.والتكبير الجماعي بصوت واحد متوافق، أو تكبير شخص ترد خلفه مجموعة من البدع التي ينبغي على المسلم الحريص على اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتنابها والبعد عنها، أما الجاهل بصفة التكبير فيجوز تلقينه حتى يتعلم .
السابع: الصيام:
عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي -صلى الله عليه وسلم-: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة). والمقصود: صيام التسع أو بعضها؛ لأن العيد لا يصام .
الثامن: الأضحية:
وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، وقال بعضهم كابن تيمية رحمه الله بوجوبها، وقد أمر الله بها نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [الكوثر: 2] فيدخل في الآية صلاة العيد، ونحر الأضاحي، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها، قال ابن عمر (رضي الله عنهما): أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي.
التاسع: صلاة العيد:
وهي متأكدة جدًّا، والقول بوجوبها قوي فينبغي حضورها، وسماع الخطبة، وتدبر الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل صالح.
يتبع
منقول
الروابط المفضلة