الأربعاء 22-12-2004 بعد صلاة المغرب .....
وبعد يوم حافل من العمل من السابعة صباحا ومن والجد والمذاكرة .... أخرج من المسجد مع مدير عام بعملى السابق ... ويعاتبنى فى تركهم وترك أموالهم ووسط المفاضلة بين عملى السابق والحالى ووسط مشاعر دنيوية بحتة وآمال ومنال لا نعلم ستأتى أم لا ...
إذ بمن يخبرنا بأن المهندس سعد السبع توفى بعد العصر بقليل ....
وكاد أن يغشى على .... وكأن الدنيا توقفت ... وأقول فى نفسى على أى شئ أجرى فى الدنيا ولما كل هذه الحسابات ... كم هى حقيرة الدنيا ...
كنت طوال اليوم أثناء ذهابى العمل وعودتى وأوقات خلوتى أردد الآية (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
وأتأمل فى معانيها ... وما هى الباقيات الصالحات .أهى كذا وكذا ...والله طوال اليوم أفكر فى تفسير الآية واقول سأعيد قراء فى النفاسير
المهندس سعد
رجل فى الستينات من عمره ترك العمل فى الحكومة لوجود كثير من المخالفات .. يعيش فى فيلا بحينا ويمتلك معرض سيارات ... يصلى معنا فى المسجد يحب الشباب الملتزم .... وعرفت أمس أن كل الشباب يحبونه ...
فهو على عكس جيل آباءنا وأجدادنا الآن ... الذى تجد منهم بعض الحدة فى المسجد مع الإخوة الملتزمين ....
فهو فى المسجد منذ سنوات و كان لا يكلم أحد ولا يختلط بأحد. ولكنه قد بدأ بالإلتزام بمنهج القرآن والسنة منذ سنتين فقط ...وأطلق لحيته بعد أن جاوز الستين ....وله من حسن المعاملة والإبتسامة ما يجبرك على إحترامه وحبه .... فمازال وجهه الأحمر الجميل فى عينى حين أدخل المسجد وأجده دائما سبقنا بالحضور ويقول لى تارة إزيك يا باشمهندس وليد وتارة كيفك يا شيخ وليد وأخر يا وليد ....
تذكرت بعض تلك المواقف ثم أسرعت للبيت لأستعد للنزول ...ثم كلمت دكتور ممدوح لكى أخبره .... فوجدته يرد على من مسجد التوحيد ويخبرنى أنهم سيصلوا عليه بعد صلاة العشاء فى درس الشيخ محمد حسان (الأربعاء) ....
وحينها قلت يا الله أى حسن خاتمة هذه .... فهذا جزاء من أحب الإخوة .... فسيصلى آلاف من الإخوة عليه فى أكبر تجمع لدرس فى مصر ....
و تذكرت أنى كنت قد مررت أنا ودكتور ممدوح على مكتبه منذ أسبوعين تقريبا ....ومن الزجاج المطل على الشارع أشار إلينا ... فدخلنا ورحب بنا كالعادة ... ثم أخرج أكثر من ورقة ... فيها جميع أنواع التحاليل حيث أنه كان يعانى منذ فترة من بعض التعب ....ويقول لدكتور ممدوح فى ذهول وفرح ... أن الدكتور لا يصدق عندما رأى نتائج التحاليل الآن . فكل شئ نورمال تقريبا وأيديال ... وكل شئ أصبح على ما يرام . ويقول لقد أخبرنىالطبيب أن هذه نتائج تحليل شاب فى الخامسة والعشرين ,,, والله يا إخوتى هذا حدث بالضبط ... ويقرأ لنا كل نوع من أنواع التحاليل ....قائلا شايف يا وليد النسبة كام .
ووصلت للمسجد وكنت قد مررت على مكتبه فى الطريق وهم قد أناروا جميع أنواره وفتحوه ورأيت كرسى المكتب فارغا ... وكاد قلبى أن يتقطع وأنا أردد إنا لله وإنا إليه راجعون ... وخلف المكتب توجد فيلته وقد بدأت النساء تأتى إليها لتعزى أسرته ... فأكملت ترديدى لآية المال والبنون ...وأقول هذا هو المال والبنون ...
ودخلت من بين مئات الأشخاص ... متخطيا كثير من الرقاب للأسف كى أصل لجثمان المهندس سعد وجلست جواره أستمع لدرس الشيخ .... ووتخفيفا من الشيخ محمد حسان بارك الله فيه أجّل بقية الدرس بعد الصلاتين رأفة بالأهل والأٌقارب المنتظرين فى البرد فى الخارج من الزحام .....
وحملناه إلى القبلة .... أخبرنا الشيخ محمد أنه أوصى أن يصلى عليه دكتور محمود .... فسألنى الشيخ محمد أن أحضر دكتور محمود ... فنادينا عليه فى الميكروفون وحضر الدكتور محمود وهى لا يستطيع أن يكمل كلماته أثناء تذكير الناس بصلاة الجنازة من البكاء ....وصلينا وسط زحام لا تكاد أرجلنا تصل للأرض وسط كتل من الإخوة .
ووصلنا المقابر ليلا بعد صلاة آلاف من الإخوة والأخوات الملتزمين فى محافظتنا عليه ... بل المدن المجاورة ممن يحضرون درس الشيخ محمد من مشايخ وطلاب علم وطالبات وعوام .....
ونحن نمشى نمشى خلفه فى الجنازة .. كم تمنيت أن أقول لكل من يمشى من هو المهندس سعد ....وإ ذ ونحن نقف على قبره يقوم أحد الإخوة الصغار من المسجد وهو يبكى ويذكر الإخوة بأن الأصل هو الدعاء جهرا بأن يغفر الله له ويثبته سرا ... ولكن لا يستطيع أن يمنع مشاعره بأن يذكر ما شهده لهذا الرجل ... وبعد إستئذان من كان موجود من كبار وشيوخ ....أخذ يقول ما وددت قوله ومنعنى عدم مقدرتى .....
يقول باكيا هذا الرجل يا إخوتى والله ما رأيناه إلا محبا للمساجد وللصلاة .... وما رأيناه إلا محبا للخير ....
الحاج سعد عنما كنت أذهب للمسجد قبل صلاة الفجر بساعة أجده قد فتح المسجد ... فأقول له لماذا أتيت يا حاج سعد ... فيقول كى أقوم الليل قليلا ...
فيقول لى تعالى لنصلى سويا ... فنصلى إلى قبل الآذان بقليل وقبل أن يأتى الناس ....
ثم يسأله المهندس سعد رحمه الله لماذا لا نفعل مثل ما فعلنا كل يوم.... فيقول له صاحبنا ...لأن هذا لو داومنا عليه بإتفاق يكون بدعة ...
ويأتى صديقنا بعد أكثر من يوم فيجد المهندس سعد موجود فيقول له ألا تريد أن نصلى سويا ... فبقول له لا لا أريد أن أدخل فى بدعة....
بعد الستين إخوتى وعنده هذا الإستسلام للسنة يا إخوانى ....
بدأ جميع الخوة اللذين يعرفونه فى البكاءكالأطفال ... والله يبكون كأن لم نبكى من قبل ....
فهؤلاء الرجال اللذين تجدم فى الدنيا فى صلابة ... ويصفهم كثير من الناس المحيطين بالإرهاب والتشدد وأحيانا قصوة القلب وإلى آخره ...
هؤلاء الرجال الشباب لم يجدوا مكانا إلا ظلمات القبور ووحشتها كى يبكون قيه ....فهم والله أصحاب قلوب بيضاء
يبكون على هذا الرجل الحبيب ....
يبكون على ما فرطوا من الدين
يبكون ععلى تفاهة هذه الدنيا .....
يبكون بعيدا عن الناس وعن الدنيا والزحام .
ويزداد صوت البكاء فى موقف لم أره من قبل فى عشرات الجنازات لإناس نحسبهم على هدى وصلاح ونحبهم أيضا .
ويكمل صديقنا الحديث قائلا هذا إخوانى الذى بقى له صلاته التى بقت له وقيامه وحبه للمساجد الذى بقى له ... والناس يبكون ....وهو يقول لم يدخل معه القبر إلا عمله وحبه للخير الذى نعلمه عنه ونعرف ما يصنع من أجله ....
ويكمل قائلا سألته يوما لماذا لا تقرأ إلا فى هذا المصحف الذى تكاد أوراقه أن تقع من كثرة القراءة فيه يا حاج سعد فيقول هذا أول مصحف بدأت القراة فيه منذ جئت لمسجد التقوى وهو يعتز به ويحبه ....
هذا الرجل كان دائم الحضور لصلاة الفجر قبل موعدها ... وكان يأبىأن يؤذن للصلاة إذا جاء أى أحد قبل الآذان فيطلب منه أن يؤذن ...فإن لم يأتى ...أذن هو للصلاة فيقوم الناس للصلاة ....
هذا الرجل كان يجلس معنا ليتعلم التجويد ...ونحن فى سن أولاده بل أحفاده ... ومن يدرس لنا فى سن أولاده ...
فسأله صديقنا ... قائلا كيف تجلس معنا وأنت أكبر سنا ومقاما ووضعا و...
فيقول بكل قوة وثقة وتواضع ..إن كنت أكبر سنوا و ... فالشيخ محمد (مدرس التجويد ) أكثر منى علما وفهما وحفظا ....
يقول هذه فى زمن كثر فيه من هو فى سنه من تعالى على من يعل م أكثر منهم ومن تعلية صوت فى المسجد ومن إتيان كثير من البدع والأخطاء ....
وحينها عرفت ما هى الباقيات الصالحات .... ورأيت الآية أمام عينى .....
وبعد هذه الكلمات المؤثرة فى ظلمة القبور وسرد لكثير من مواقفه الجميلة ..... وفى عودتنا عرفت من الإخوة أنه صلى الفجر فى مسجد آخر فى نفس الحى به كثير من أصدقاءه القدامى لم يكن يصلى فيه منذ فترة .... ثم صلى الظهر بمسجدنا .... ثم ذهب لزيارة مريض فى مستشفى وهو فى زيارته جائته بأزمة ... وتوفى .....
فهنيئا لمن مات فى يوم صلى فيه الفجر فى جماعة ....
وهنيئا لمت مات فى يوم زار فيه مريض
وهنيئا لمن مات وصلى عليه أكثر الصالحين فى بلده
وهنيئا لمن مات وأسرع فى دفنه
وهنيئا لمن مات والجميع يبكون عليه حبا فيه شباب وكبار وأهل وأحباب وأصدقاء .
هذا الرجل عرفناه فى المسجد وأحبناه فى المسجد .... وحبنا وأحببناه فى الله ولم نجتمع معه إلا على خير ....
ونشهد الله أننا لم نرى منه إلا خيرا ولم نشهده إلا قائما راكعا ساجدا
يقول أحد الإخوة من حى قريب ... والله كلما دخلت مسجد التقوى ورأيت مهندس سعد إلا رأيته إما يقرأ القرآن وإما يصلى ...
فهل هناك باقيا صالحا إلا هذا ؟؟؟
اللهم إنا أخذنا بالأسباب واستبشرنا خيرا ... فلا تخيب رجائنا فى ختمك بالخير فى عبدك ....
اللهم ابعثه مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
اللهم زد فى احسانه واقبله واغفر تقصيره وارحمه.
اللهم اغفر له اللهم ثبته
اللهم اغفر له اللهم ثبته
اللهم اغفر له اللهم ثبته
عذرا على الأخطاء الإملائية ... لم أراجع ما كتبت .
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة