ظاهرة يومية عرفت منذ تكون الشمس والارض … ظاهرة الشروق والغروب جاءت في كتاب الله العزيز بصور وصيغ ثلاثة ، قال تعالى : (( رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا )) ، وقال تعالى : (( رب المشرقين ورب المغربين )) ، وقال تعالى : (( فلا اقسم برب المشارق والمغارب انا لقادرون )) ، ففي الاية الاولى جاء ذكر المشرق والمغرب في صيغة المفرد ، وفي الاية الثانية جاء ذكرهما بصيغة المثنى ، وفي الاية الثالثة جاء ذكرهما بصيغة الجمع … فما هو السبب في اختلاف الصيغ ؟ واين كل هذه المشارق والمغارب ؟
ليس هناك صعوبة في فهم صيغ المفرد ، فاينما كنا وحيثما وجدنا راينا للشمس مشرقا ومغربا.
اما المشرقان والمغربان فقد فسرهما المفسرون بمشرقي ومغربي الشمس في الشتاء والصيف ، فالارض كما نعرف تتم دورتها حول الشمس في 365 يوما وربع اليوم ، كذلك نعلم ان ميل محور دورانها عن المحور الرأسي يسبب اختلاف الفصول ومن ثم اختلاف مكان ووقت الشروق والغروب على الارض على مر السنة.
فالواقع ان المشرق والمغرب على الارض ـ أي مكان الشروق والغروب يتغيران كل يوم تغيرا طفيفا ، أي ان الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف على مر السنة ، وهذا بدوره يعني وجود مشارق ومغارب بعدد ايام السنة وليس مشرقين ومغربين فقط ، وان بدا الاختلاف بين مشرقي الارض ومغربيها اكثر وضوحا في الشتاء والصيف .
فقد يكونا مشرقي الارض ومغربيها في الشتاء والصيف هما المقصودان في الاية الكريمة: (( رب المشرقين ورب المغربين )) كذلك قد تكون هذه المشارق والمغارب المتعددة التي نراها على مر السنة ، هي المقصودة في الاية الثالثة: (( برب المشارق والمغارب )) وقد يكون المقصود بها ايضا مشارق الارض ومغاربها في بقاعها المختلفة ، فشروق الشمس وغروبها عملية مستمرة ، ففي كل لحظة تشرق الشمس على بقعة ما وتغرب عن بقعة اخرى ، وقد يكون المقصود بها مشارق الارض ومغاربها على كواكب المجموعة الشمسية المختلفة ، فكل كوكب ـ مثله في ذلك مثل الارض ـ تشرق عليه الشمس وتغرب .
كانت هذه تفسيرات مختلفة لمعنى المشارق والمغارب والمشرقين والمغربين ، بقي ان نذكر السبب في ذكر المشرق والمغرب في صيغ مختلفة ، والسبب يبدو اكثر وضوحا اذا تلونا الايات مع سوابقها بتدبر وامعان .
الاية الاولى تبدأ : (( واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فاتخذه وكيلا )) ، كما نلاحظ ان ذكر رب المشرق والمغرب هنا مقرونا باسم الجلالة ، فالله سبحانه وتعالى يامر رسوله (  ) بان يذكر اسم ربه ويتبتل اليه تبتيلا ، والتبتل هو الاتجاه الكلي الى الله وحدة بالعبادة والاخلاص فيها ، والخشوع بالذكر ، فليس للرحمن من شريك او ولد ، وياتي ذلك مؤكدا من الاية ( لا اله الا هو فاتخذه وكيلا ) ، ففي هذا المقام الذي يؤكد فيه الله وحدانيته لعبده ويدعو عباده الى توحيده ، نجد ان صيغة المفرد هنا هي افضل صيغة وانسبها وذكر المشرق والمغرب في صيغة المفرد يكمل جو الوحدانية الذي نعيش فيه في هذه الاية الكريمة .
اما في الاية الثانية ، فالوضع يختلف ، ولنبدا ببعض الايات التي تسبق الاية الثانية ، قال تعالى : (( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (*) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (*) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (*) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (*) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (*) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (*) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (*) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (*) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (*) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (*) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )) .
فالحديث في هذه الايات كلها في صيغة المثنى ، يذكر فيها الرحمن بانه هو خالق الانس والجان ، وهو خالق المشرقين والمغربين ، وانه هو مرج البحرين ليلتقيا ، ولكن دون ان يبغي احدهما على الاخر ، ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان .
وبما ان صيغة المثنى هي الغالبة في هذه الاية ، فانه من الانسب ان يذكر المشرقين والمغربين ايضا في صيغة المثنى .
وكذلك الامر في الاية الثالثة ، فلو تاملنا سوابقها ولواحقها من الايات الكريمة ، لعرفنا السبب من ذكر المشرق والمغرب بصيغة الجمع ، قال تعالى : (( فمن الذين كفروا من قبلك مهطعين (*) عن اليمين وعن الشمال عزين (*) أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة النعيم (*) كلا انا خلقناهم مما يعلمون (*) فلا اقسم برب المشارق والمغارب انا لقادرون (*) على ان نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين )) .
فالحديث هنا كما يلاحظ القارئ منصب على الذين كفروا ، ولذلك ذكرت المشارق والمغارب على نفس النمط في صيغة الجمع ايضا حتى يتاتى التوافق في الصيغ الذي وجدناه في الايتين السابقتين .
ومن ناحية اخرى يدعونا العلي القدير للتعمق والتفكير في معاني الصيغ المختلفة فقد يكون المقصود بالمشارق والمغارب هنا على كفار جدد في اماكن جديدة وكأن العلي القدير يخاطبهم ويقول : (( فلا اقسم برب المشارق والمغارب )) .. هذه التي عرفتموها ورايتموها في كل مكان وزمان على الارض .. (( انا لقادرون )) .. ان نبدل خيرا منكم وما نحن بمغلوبين ..
لاشك في ان التوافق الذي رايناه في صيغ الايات الثلاث السابقة هو مثل حي من بلاغة الاسلوب القراني وجمال تعبيره ودقة معانيه ، والى جانب ذلك نجد ان ذكر المشرق والمغرب مرة في صيغة المفرد ، ومرة في صيغة المثنى ، ومرة في صيغة الجمع يعطي باعثا للبحث والتفكير وحافزا للتعمق والتامل .
فالمعاني والكلمات والتعبيرات لا تاتي منقادة بهذه السهولة واليسر الا للعزيز الحكيم واذا تعمقنا مرة اخرى في معنى المشارق والمغارب لوجدنا في هذا التعبير ايضا هذه الزاوية الجديدة التي لاعهد للانسان بها فشروق الشمس وغروبها في كل لحظة على بلد جديد وعلى بقعة مختلفة من بقاع الارض ، هو ابعد مايكون عن التصور الانساني القديم .

سبحان الله وبحمده..سبحان الله العظيم..

حياكم الله اخي الكريم وبارك فيكم..

احسنت اخي الكريم

اختي الفاضلة الجمان
بارك الله فيك وجزاك خيرا على مرورك وتعليقك الكريم

اكرمك الله اختي الفاضلة احاسيس مرهفة
وشكرا على الرد