السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:،
كيف لانحبه ؟!
كيف لا نحبه وهو الصابر الحليم فيكفينا من ذلك أنَّه كُسِرَتْ رباعيَّته يوم أُحُدٍ وشُجَّ وجهه؛ فشقَّ ذلك على أصحابه؛ فقالوا له: لو دعوتَ اللهَ عليهم! فقال: ((إنِّي لم أُبْعَث لعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً)) ، ثم قال: ((اللَّهمَّ اهْدِ قومي؛ فإنَّهم لا يعلمون))!!.
فانظروا - عباد الله – لما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحُسْنِ الخلق، إذ لم يقتصر على السُّكوت عنهم حتى عفا، ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا، وشفع لهم، ثم أظهر سبب الشَّفقة والرَّحمة بقوله: ((قومي))، ثم اعتذر عنهم لجهلهم فقال: ((فإنَّهم لا يعلمون)) .
وكذلك جاء أعرابيٌّ جِلْفٌ جافٍ، وكان على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - بُرْدٌ غليظُ الحاشية، فجذبه الأعرابي بردائه جَبْذًا شديدًا، حتى أثَّرَ حاشيةُ البُرْدِ في صَفْحَة عُنُقِه، ثم قال: يا محمَّد، احملني على بعيرٍ من مال الله الذي بيدكَ؛ فإنَّكَ لا تحملني من مالكَ ولا من مال أبيكَ!. فسكت النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((المال مالُ الله، وأنا عبده)). ثم قال له: ((لم فعلتَ بي ما فعلتَ؟!)). قال: لأنَّكَ لا تكافئ بالسَّيئة السَّيئةَ. فضحك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم أمر أن يُحمَل له على بعيرٍ شعيرٌ وعلى آخَر تمرٌ)).
وكذلك قال له آخَر: اعْدِلْ يا محمَّد؛ فإنَّ هذه قسمةٌ ما أُريِدَ بها وجهُ الله!. فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلُكَ، إنْ لم أعْدِلْ أنا فمَنْ يَعْدِل؟ أيأمنني اللهُ على خزائنه ولا تأمنوني)؟!)(رواه البخاري ) .
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة ، فقال رجل من الأنصار : والله ما أراد محمد بهذا وجه الله ، قال ابن مسعود : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فتمعر وجهه وقال : ( رحم الله موسى ، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) .
قال بعض الصَّحابة: "ما رأيتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - منتصرًا من مظلمةٍ ظُلِمَها قطُّ، ما لم يكن حرمة من محارم الله تَعالى، ولا ضرب بيده شيئًا قطُّ إلاَّ أن يُجاهِد في سبيل الله، وما ضرب خادمًا ولا امرأةً".
لقد كانت وقائع سيرته صلى الله عليه وسلم مدرسة للصابرين ، يستلهمون منها حلاوة الصبر ، وبرد اليقين ، ولذة الابتلاء في سبيل الله تعالى .
كيف لانحبه وهو العدل وكان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين.
قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء:135)
كان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ غيورة.
فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنها ـ أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ـ ) ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني .
وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها ) رواه البخاري ومسلم
وكان صلى الله عليه وسلم لا يرضى تعطيل حدود الله ، التي شرعها سبحانه لإقامة العدل بين الناس ، ولو كان الجاني من أقربائه وأحبابه ، ففي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعة أسامة ، وقال مقالته المشهورة : ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري و مسلم
الروابط المفضلة