توازن الإسلام في :الغناء واللهو
الإنسان بطبيعته مجبول على حب الأصوات العذبة ، والألحان الندية.. والكلمات الموزونة.. فيصغى لها بأذن واعية، وروح مبتهجة، وتتحرك أحاسيسه ومشاعره لتلك الأصوات والكلمات .. فيتأثر بها وتقع في قلبه إيقاعا سلبيا أو إيجابيا يظهر على أقواله وأفعاله..
والغناء اسم يطلق على أشياء كثيرة..منها: غناء الحجيج في الطرقات، بأشعار يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام..وقد يكون معها طبل،وغناء الغزاة :فإنهم ينشدون أشعارا يحرضون بها على الجهاد.. ،وفي معنى هذا أشعار الحداة في طرقهم، كذلك يطلق على الغناء أشعار تنشدها النواح يثيرون بها الأحزان والبكاء.. وأيضا في معنى الغناء الأشعار التي يتغنى بها المتيمون ويصفون فيها المستحسنات والخمر والنساء.. كذلك يطلق الغناء على الأشعار التي تحث على مكارم الأخلاق والمدح والثناء..
ولما كان الإسلام هو أفضل الأديان وأقومها.. كان من مقاصد شريعته : -حفظ الدين والعقل.. وتسخيرهما فيما يعود بالنفع والفائدة لدينه ونفسه ومجتمعه.. فالعقل إذا استخدم في اللهو والطرب فقط فإن قيمته تكون بمثابة عقل السكران الذي لا يفقه ما يدور حوله لغلبه الهوى والنشوى..
وسماع الغناء واللهو يلهي القلب ويشغله عن ذكر الله تعالى والتفكر في عظمته وآلائه .. والقيام بطاعته، ويحرك الطباع ويخرجها عن حد الاعتدال، ويثير العداوة والبغضاء.. والحب الزائف والشهوات..
إن أدلة تحريم الغناء والموسيقى كثيرة جداً،نذكر منها..
*من القرآن: قال تعالى:[ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)] لقمان.
-قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد: اللهو:الطبل،(تفسير الطبري) وقال الحسن البصري:نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير (تفسير ابن كثير).
- قال ابن القيم: ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء، فقد صح عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء –يرددها ثلاث مرات- وصح عن ابن عمر أيضاً أنه الغناء (إغاثة اللهفان لابن القيم)
فهذا ابن مسعود يقسم ثلاث مرات أن لهو الحديث هو الغناء، وقد قال r : (إقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر،واهتدوا بهدي عمار ،وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه)صحيح الجامع-1143-وفي رواية –(وتمسكوا بعهد ابن مسعود)1144.
*من السنة: قال r: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف...)السلسلة الصحيحة-91- ومعنى استحلال الشيء،أي جعله حلالاً وهو في الأصل محرم.
وقال r: (...إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة مزمار شيطان ولعب، وصوت عند مصيبة...)صحيح الجامع-5194
وقال r: (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ،وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف)السلسلة الصحيحة-2203
وقال r: (إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين...) صحيح الجامع-1708-
ولكن .. هل جميع أنواع الغناء محرم؟!!
هنا يأتي توازن الإسلام.. -دين الوسطية ودين الفطرة- الإسلام لم يحرم الغناء إلا لوجد بعض الآفات فيه ،-والله اعلم- وكما هو معلوم في الإسلام أنه يحرم الضرر، فإذا انتفت تلك الآفات صار الغناء مباحا..!!
فالغناء المحرم هو ما ستخدم فيه كلمات فاحشة، وألفاظ بذيئة -تخل بالقيم والأخلاق- مع نغمات موسيقية ..أو أي نوع من أنواع المعازف وما يدخل في حكمها..
أما الغناء الهادف، ذا الأشعار الهادفة والمفيدة، والكلمات الموحية النافعة، مع الترانيم العذبة، والأصوات الشجية.. بدون استخدام آلات محرمه سوى "الدف" فالإسلام يبيحه لما فيه من راحة للقلب، وفرح وبهجة، ونفع وفائدة..
كذلك بعض الأناشيد لما فيها كلمات تذكر بالله تعالى، وتحث على عمل الخير..وتنشر الحب والإخاء والفرح بين المسلمين، قال r: (إن من الشعر حكمة)خ/2 [ 5793 ].
قال r: (زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) صحيح الجامع:1/3581.
ذلك لأن الإنسان يميل لصوت الحسن ،ويتلذذ به، بل ويستفيد منه أكثر.
وقد كان لرسول الله r–حاد- أي "الذين يتغنون للإبل يستحثونها على السير " يقال له أنجشة،وفي رواية للبخاري: كان للنبي rحاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت، يحدو فتعنق،أي: تسير سيرا سريعا" فقال r: (يا أنجشه رويدك سوقا بالقوارير" البخاري ،6149-م 2323،خ/ 2[ 5857 ]
وعن سلمه بن الأكوع ،قال: خرجنا مع رسول الله rإلى خيبر فسرنا ليلا ،فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنياتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا فنز يحدو بالقول يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فالقين سكينة علينا *** وثبت الأقدام إذا لا قينا
قال r: (من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع، فقال: (يرحمه الله ) خ/6148- م/1802
عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله r وذلك في يوم عيد فقال رسول الله r: (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا)خ/1[ 909]
* كذلك من إنشاد العرب قول أهل المدينة عند قدوم رسول الله r عليهم:
طلع البدر علينا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** ما دعا لله داع
ومن هذا الجنس كانوا ينشدون أشعارهم ، وربما ضربوا عليه بالدف عند إنشاده.
هذا هو الإسلام .. يحب ويقر بالفرح والسرور، والتلذذ والتمتع بالأصوات الحسنة والكلمات الهادفة، دون أن يجرح المشاعر، ويهدم الأخلاق والقيم.. ويطرب العقل ، ويلهي عن ذكر الله تعالى وطاعته.
هذا هو توازن الإسلام.. يحافظ على العقل والدين.. وعلى القيم والأخلاق.. ويعطي لنفس حق التمتع والتلذذ بالحلال .. بحد الاعتدال، وفق شرع الله تعالى.
_____________________________________________
الروابط المفضلة