معا ًَ على طريق النصر ..
الحمد لله ربِّ العالمين، قاصم الجبارين، ومذل المستكبرين، وناصر المخلصين، ومعز المؤمنين،
والصلاة والسلام على الهادي الأمين، سيد المجاهدين، ورحمة الله للعالمين، وبعد..
الأممَ كالأفراد، تصح وتمرض، وتقوى وتضعف، وتنتصر وتُهزَم، وفق قوانين وسنن إلهية، لا تحابي أحدًا،
ولا تتخلَّف ولا تتبدَّل على مرِّ العصور ، وقد أمرنا الله تعالى أن نتدبر أمورَنا في حال النصر والهزيمة؛
فإذا انتصرنا شكرنا وعرفنا غاية النصر وتبعاته وأماناته،
وإن هُزمنا حاسبْنا أنفسَنا، وبحثنا عن أخطائنا، واستغفرنا لذنوبنا،
فما كانت من هزيمة إلا بما قدمت أيدينا
فهذا الكون كله من صنع الله ، ولن يصلح حاله وتقوم شئونه إلا بدواء من عند الله عز وجل ّ،
فلن يكون هناك نصر إلا كما يشاء الله وكيف يشاء ومتى يشاء ، فهيا بنا نستكمل ما بدأناه سويا ً على طريق النصر ،
أسأل الله أن يجعل منه الفائدة
وبما أننا عزمنا المُضىّ فى هذا الطريق لابد لنا أن نعرف منعطفاته والأشواك التى على جوانبه
أم كيف سنمضى بطريق لا نعرفه ، إذا أردنا الوصول للهدف السليم؟
من هنا أحببت الحديث عن شروط النصر والتمكين
حتى نكون على بيّنه من أمرنا وحتى لا ندور فى حلقة مفرغة أكثر من ذلك فالوقت يمضى سريعا ً والدماء ما زالت تنزف ..
وأول شروط النصر:::[النصر من عند الله تعالى ]
قال تعالى "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ "[آل عمران :126]
فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم,(تفسير ابن كثير ) يالله ،
ليس من الممكن أبدا ًأن نتكلم عن طريق النصر ولا نذكر هذه الآيه إذ أنها الأساس. تأملوها ، والله آية تهزّ وجدان من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
آية ترد على المفرطين ،
ممن أرادو الهوان للأمة ، فتسوّلوا النصرمن كل طريق إلا من طريق الله عز وجل ّ ..ألا وإن ما عند الله لايُطلب بمعصية الله ،
وهذه الآية تقتضى التوكل على الله عز وجل ، وعدم التعلق بالأسباب فليس النصر بالقنابل والصواريخ وحاملات الطائرات،
إنما النصر بالثبات واليقن بوعد الله عز وجل ،من المسلمين من يظن أننا لن ننتصر بسبب التخلف العلمى والحضارى وعدم وجود الأسلحة المتطورة وهذا ليس بصحيح ،
لأن سنـــة الله اقتضت أن النصر الحقيقي التـام لا يتحقق لأمتنـا بدون عودة صادقة إليه واستقامة على أوامره حتى لو تقدمت ماديا وعسكرياً.
وليس معنى ذلك أننا نترك الأسباب التى تمكنّا من النصر ، لكن مانرمى إليه هو عدم التعلق بالأسباب دون المُسَبِّب
فالتعلق يكون بالله عز وجل ّ وقدرته سبحانه على نصرتنا إن نصرناه .
وأذكر موقف المسلمين فى غزوة حُنين حينما ولّوا أمرهم للأسباب وقالوا لن نغلب اليوم عن قلة !!فنزلت هذه الآية
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ " [التوبة: 25].
لقد كانت غزوة حنين هذه درسًا عظيمًا في العقيدة الإسلامية، وممارسة عملية لفهم قانون الأسباب والمسببات؛
حيث هُزِم َ المسلمون فى بادئ الأمر ورجعوا لا يلوى أحد منهم على أحد ولم يثبت إلا فئة قليلة جداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم ّمكّن الله لهم النصر
حينها علم المؤمنون أن هذه الكثرة لا تغنِ من الله شيئاً ،
لذا التعلق بالأسباب أمر خطير جداً ، يجب التنبّه له ، وعن نفسى قد أخذت فيه درسا ً قويا ً !!
فظللت أترقب خطواتى هل أنا متوكلة على الله فعلا ً ، أم متوكلة على الأسباب والله المستعان !!
ثانى شروط النصر [الايمان بالله ]
الايمان الصادق ، فالايمان الذى نتكلم عنه قول ٌباللسان وتصديق ٌ بالجنان وعمل ٌ بالجوارح والأركان ,,
هذا هو الايمان الذى تحتاجه الأمة،فالايمان ليس كلمة باللسان فحسب بل الايمان كلمة ذات تكاليف وأمانة ضخمة ذات أعباء ..
فإن حققنا الايمان بمفهومه الشامل كان النصر قال تعالى " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم: 47]
وقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم .
ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتماً من عدوه ، ظاهر حتما على عدوه .
قد يرى البعض أنّ تحقيق الايمان فى هذا الزمان صعب!
أى نعم إن طريق الايمان محفوفا ً بالأشواك والعقبات لكن الله عز ّوجل ّ هو خالقنا وأعلم بنا من أنفسنا ولن يكلفنا سبحانه بشئ ٍ فوق طاقتنا ..
أسأل الله عز وجل أن يحيى الايمان فى قلوبنا
ثالث شروط النصر : [تحقيق العبودية لله ]
وهى بمعنى كمال الحب مع كمال الذل لله سبحانه وتعالى ، وتحقيق عقيدة الولاء والبراء الولاء لهذا الدين العظيم و الاخلاص لله تعالى ،
والعمل بمقتضى عقيدة لا إله إلا الله العقيدة الصحيحة التى مكنت المسلمين الأوائل من إقامة دولة الإسلام وسط صحراء تموج بالكفر ،
والبراء من الشرك والكفر براءة تامة تقتضى عدم موالاتهم وعدم تصديق وعودهم الكاذبة.
رابع رابع شروط النصر : [ سنة التغيير]
قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " [ الرعد : 11 ]
فإذا غير العباد ، ما بأنفسهم من المعصية ، فانتقلوا إلى طاعة الله ، غير الله عليهم ، ما كانوا فيه من الشقاء ، إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة ،
فإذا نصرنا الله فى أنفسنا نصرنا الله فالعبد بين الله ونفسه إن نصر نفسه صار عبداً لها وإن نصر الله صار عبداً له وقال تعالى
" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "[ الحج : 40]
فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذى لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره .. فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله ، فيستحقون نصر الله ، القوى العزيز الذى لا يهزم من يتولاه ؟
فمن جاهد لإعلاء كلمة الله فهذا هو من ينصره الله تعالى أما من يتولى فقد قال تعالى "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ " [ محمد :33 ]
وقوله تعالى: {وإن تتولوا} أي عن طاعته واتباع شرعه {يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} أي ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره.
فالنصر بنا أو بغيرنا
خامس شروط النصر [الاعداد الصادق ]
قال تعالى " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ".[الأنفال :60]
والقوة هنا جاءت نكرة لتفيد العموم والشمول ، قوة فكرية ،قوة علمية ، قوة اقتصادية ، قوة فى كل شئ ، نريد أن يكون إيماننا
وثقتنا بنصر الله هو الذى يدفعنا للترقى فى كل سُبُل العلم والاختراع والابتكار ،وهذا هو دور الأفراد والتاريخ زاخر بالاختراعات والابتكارات التى كانت على أيدى المسلمين ،
من ابتكار خطط حربية ، واختراعات ملموسة مثلما ابتُكِرَ فى عهد محمد الفاتح المدفع والذى استخدموه فى فتح القسطنطينية
ونحنُ المسَلمين في هذا العصرِ لو أخَذْنَا بأسباب النصرِ وقُمْنَا بواجبِ دينِنا
وكنَّا قدوةً لا مُقْتَدين ومتبوعِين لا أتباعاً لِغَيرنا، وأخَذْنَا بوسائِل الحرب الْعَصْريَّةِ بصدقٍ وإخلاصٍ سيعود للأمة نصرها ومجدها وسيُمكِّن الله تعالى للأمة و لنصَرنَا على أعدائنا كما نصر أسلافَنا. صدقَ الله وعْدَه ونصر عَبْدَه وهزَمَ الأحزابَ وحْدَه.
{ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23].
، أما مادمنا فى دائرة تنحية الشريعة الإسلامية بعيداً عن الساحة فلن يكون هناك نصر ،
أسأل الله أن يرد الأمة إلى صوابها ، وأن يردها إلى القرآن والسنة
اللَّهُمَّ هيئ لنا منْ أسبابِ النصرِ ما به نَصْرُنَا وعزتُنا وكرامتُنا ورفعةُ الإِسلام وذُل الكفرِ والعصيانِ إنك جوادٌ كريمُ
وصلَّى الله وسلَّم على نبِينا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمَعين.
الروابط المفضلة