معاناتي مع الشهوة
-2-
رسالة تسلط الضوء على أسباب الشهوة
ومخاطرها وطرق علاجها
زيد بن محمد الزعيبر
2. الفراغ والخلوة وكثرة التفكير والاستغراق في الخواطر الرديئة:
فإذا ما ارتبط الفراغ بالخلوة ومرحلة الشباب، وكذا عدم وضوح الأهداف أو ضبابيتها حصلت الويلات:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
فقد يُظنُ أن حصول الخيرية والاستقامة الظاهرية للشاب من البدهيات الرئيسة في ابتعاده عن الشهوات والملهيات، وعصمة له من الفتن، ولا ريب أن هذا مفهوم خاطئ ، فالاستقامة هي وضوح الهدف، والقناعة في السير على الطريق ، والاجتهاد والعمل وحمل الهم ، وبذل الجهد ، ولزوم الجادة ، ولهذا يقول أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي ـ رحمه اللـه ـ : إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره " ، فأنى لمن هذه حاله أن يكون عنده وقت أو فراغ للتفكير في الأمور الترفيهية المباحة فضلاً عن غيرها ، ولا أقصد من هذه الصورة محاكمة القارئ إلى تطبيقها ، بل شحذاً للهمة نحو المزيد من الرقي.
وإذا تأملنا أفضل الحلول لمسألة الفراغ والخلوة وكثرة التفكير والاستغراق في الخواطر الرديئة وجدناه غالباً يندرج في ما ذكره ابن القيم ـ رحمه اللـه ـ ، حينما قال في مجاهدة وحفظ الخواطر ما يلي:
1. العلم الجازم باطلاع الرب -سبحانه- ونظره إلى قلبك وعلمه بتفاصيل خواطرك.
2. حياؤك منه.
3. إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.
4. خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
5. إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.
6. خشية أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة اللـه فتذهب جملة وأنت لا تشعر.
7. أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحَبِّ الذي يُلْقَى للطائر ليصاد به ، فاعلم أن كل خاطرة منها فهي حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
8. أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً.
9. أن تعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له ، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته ، فيطلب الخلاص منه فلا يجد إلى ذلك سبيلاً.
10. أن تعلم أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين ، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي. 1
ولو لم يكفِ بعضهم من الفراغ والخلوة والاسترسال في الخواطر الرديئة إلا إضاعة الوقت ، وفعل العادة السرية السيئة عند البعض لكفى ذلك رادعاً !
3. عدم سلوك المنهج النبوي في التعامل مع الشهوة:
وسلوك المنهج النبوي بالصيام عند انعدام المقدرة على تحمل الأعباء الزوجية سواءً المالية أو غيرها ، وفي الحديث" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 2
ومن طرق المنهج النبوي في التعامل مع الشهوة : غض البصر ، وإقلال النظر إلا فيما يحل ، "فالنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النظرة تولد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، مالم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أسهل من الصبر على ألم ما بعده. قال الشاعر:
وكنت متى ما أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المنـاظر
رأيت الذي لا كله أنـت قــادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر3
4. عدم إنكار المنكر:
ويكون الإنكار بالطرق الشرعية المناسبة ، ولهذا يقول ابن تيمية ـ رحمه اللـه ـ : والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ، ونهيك عن المنكر غير منكر. 4 وارتباط النهي عن المنكر بموضوع الشهوة هو أن الشاب قد يرى بعض ما ابتلي به غيره من القضايا السلوكية والأخلاقية ، فقد لا ينكر ، أو يجامل ويداهن ، فهنا يظن غيره موافقته وتأييده لتلك الأفعال المشينة ، ولذا يحصل الخلل ، وسيأتي بيان ذلك الخلل في ضعف الشخصية.
5. الخواء الروحي :
وهو نوع من الفراغ يجده الشاب في نفسه ، وذلك يكون ببعده عن الحسنات ومقارفته للسيئات ، ويسمى أيضاً بالفراغ الإيماني ، وكم سمعنا من حالات كان سبب وقوعها في الانحراف ذلكم الفراغ الإيماني، فكانت الكارثة أن بحثوا عما يشبع ذلكم الفراغ بشهوة ساعة ، فـ"كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة ؟!". 5
فتجنب الشهوات واحذر *** أن تكـون لها قتيـلاً
فلـرب شهـوة ســاعة *** قد أورثت حزنــا طويـلاً
=====================
1 ) طريق الهجرتين ص274.
2) فتح الباري 9/134.
3 ) الجواب الكافي ص 218.
4 ) رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 17.
5) الفوائد ص 60.
الروابط المفضلة