الناقض الأول
الشرك في عبادة الله: قال تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)[النساء:48]. وقال تعالى : (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) [المائدة:72]. ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم.
تعريف الشرك:
الشرك لغة: يقال شاركت فلانا صرت شريكه، والشرك يكون بمعنى الشريك وبمعنى النصيب وجمعه أشرا ك ، وشركه في الأمر يشركه دخل معه فيه، وأشركه معه فيه وأشرك فلانا في البيع إذا أدخله معه فيه.
واصطلاحا: جعل شريك لله في ألوهيته أو ربو بيته أو أسمائه وصفاته.
ولا ريب أن الشرك أصل كل شر وجماعه، وهو أعظم الذنوب، على الإطلاق، حيث إنه الذنب الوحيد الذي نفى الله مغفرته، كما أنه يحبط الأعمال الصالحة جميع، ويوجب لصاحبه الخلود في النار.
قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)[النساء:48].
وقال تعالى : (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)[المائدة:72].
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار"(1).
يقول ابن القيم في بيان شناعة الشرك وقبحه:
" أخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، وإن الشرك ظلم كما قال تعالى : (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان:13]، فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات ، فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبربتفاصيله،
(1) رواه مسلم في الإيمان 1/ 94.
تعرف به أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي.
فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود، كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم، لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه وتعالى أن يقبل من مشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقبل له فيها رجاء، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه ندا، وذلك غاية الجهل به" (1).
وقال ابن باز في بيانه:
"الشرك هو تشريك غير الله مع الله في العبادة، كأن يدعو الأصنام أو غيرها، أو يستغيث بها أو ينذر لها، أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها، ومثل أن يذبح للبدوي أو للعيدروس أو يصلي لفلان أويطلب المدد من الرسول صلىالله عليه وسلم أومن عبدا لقادر أو من العيدروس أو غيرهم من الأموات الغائبين، فهذا كله يسمى شركا، وهكذا إذا دعا الكواكب أو الجن أو استغاث بهم أو طلبهم المدد أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل شيئا من هذه العبادات مع الجمادات أو مع الأموات أو الغائبين صار هذا شركا بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)[الأنعام:88].وقال سبحانه : (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)[الزمر:65]. ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن، أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية، فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول: ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعين والملاحدة المنكرين لوجود الله، هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا.
والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا وتسمى كفرا بالله عز وجل" (2).
(1) الجواب الكافي، لابن القيم، ص 191.
(2) مجموع فتاوى و مقا لات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 4/ 32.
أقسام الشرك بالله:
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإشرك بالله ينقسم إلى
قسمين:
القسم الأول: الشرك الأكبر وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: في الربوبية ويكون الشرك في الربوبية في ثلاث
أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يخلق أو يحي أو يميت أو يملك أو يتصرف في هذا الكون أحد مع الله، لأنها من أفعال الله التى يختص بها فلا تجعل لغيره.
الثاني: شرك في الأعمال:
كتعليق التمائم ولبس الحلقة ونحوها، واعتقاد أنها بذاتها محصلة للمقصود.
قال ابن عثيمين: "إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله فهو مشرك شركأ أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا غيره (1).
الثالث: شرك في الأقوال:
كالقول بقدم العالم لما فيه من تعطيل الرب سبحانه وتعالى،وإنكار للخالق عزوجل، وكالقول بوحدة الوجود، وهم الذين يزعمون أن الله تعالى هو عين المخلوق.
ومن هذا الشرك شرك القدرية القائلين بأن الإنسان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته (2).
النوع الثاني: في الألوهية، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يطاع طاعة مطلقة مع الله، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لهم، مع العلم بأنهم خالفوا دين الرسل ، وان لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم (3).
ومنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يحب مخلوقا كما يحب الله،فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) [البقرة:165].
(1)القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين 1/ 207.
(2)انظر نو اقض الإيمان القولية والعملية، د. عبد العزيز العبد اللطيف، ص 96.
(3)انظر مجموع الفتاوى، لابن تيمية 7/ 70.
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم : (تالله إن كنا لفي ضلال مبين .إذ نسويكم برب العالمين)[الشعراء:97-98]، ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماته،والإحياء، والملك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأليه والخضوع لهم والتذلل
(1).
الثاني: شرك في الأعمال:
كأن يصلي لغير الله أو يسجد أو يركع لغير الله.
يقول ابن تيمية في هذا المقام: "وبالجملة فالقيام والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض، وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره منه نصيبا (2).
فمن جعل شيئا من العبادة لمخلوق كائنا من كان، فقد أشرك بالله تعالى في عبادته، واتخذ مع الله أندادا.
الثالث: شرك في الأقوال:
فمن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عزوجل ، فقد أشرك، سواء كان هذا الغير نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا، أو غير ذلك من المخلوقات.
ويبين ابن القيم شناعة هذا الشرك:" ومن أنواعه (الشرك الأكبر)، طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع، والمشفوع له عنده" (3).
النوع الثالث: في ا لأسماء والصفات. ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يعلم الغيب مع الله، وهذا يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة، كالرافضة وغلاة الصوفية والباطنية عموما. حيث يعتقد الرافضة في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك.
وكاعتقاد أن هناك من يرحم الرحمة التى تليق بالله عزوجل، فيرحم مثله، وذلك بأن يغفر الذنوب ويعفو عن عباده ويتجاوز عن السيئات.
(1)الجواب الكافي، لابن القبم ص 195.
(2) مجموع الفتاوى 27/ 93.
(3) مد ارج السالكين، لابن القيم 1/ 353.
الثاني: شرك في الأعمال:
كأن يتعاظم على الخلق مضاهاة بالله، وتشبها بصفاته، التى منها
صفة العظيم.
يقول ابن القيم: "فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربو بيته وإلهيته (1).
الثالث: شرك في الأقوال:
كأن يطلق اسم الرحمن أو الأحد أو الصمد على غير الله، أو يسمي الأصنام بها، أو اتخاذ شريك أو ند مع الله تعالى في صفاته أو الإلحاد في أسمائه، وذلك بالعدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.
يقول ابن القيم: "القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشد شيء منافاة ومنا قضه لكمال من له الخلق و الأ مر، وقدح في نفس الربوبية وخصائص الرب، فإن صدر ذلك عن علم فهو عناد أقبح من الشرك وأعظم إثما عند الله" (2).
القسم الثاني: الشرك الأصغر، وهو قسمان:
القسم الأول: شرك أصغر ظاهر وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: في الربو بية ، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كأن يعتقد في شيء أنه سبب وهو ليس سببا في دفع الضر أو جلب النفع.
قال ابن عثيمين: (من اعتقد في شيء أنه سبب، ولكنه ليس مؤثرا بنفسه، فهو مشرك شركا أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببا، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببا) (3).
الثاني: شرك في الأعمال:
كمن يعلق التمائم أو يلبس حلقة أو خيطا ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، لأن كل من أثبت لله سببا لم يجعله الله سببا شرعا ولا قدريا، فقد أشرك بالله.
(1)الجواب الكافي، ص 202.
(2) المرجع السابق .
(3) القول المفيد 1/ 208.
الروابط المفضلة