]
{12}
----------------------------------------
التفاوت بين الطبقات:
وكذلك اعتقادهم في الببيوتات الروحية والأشراف من قومهم، فيرونهم فوق العامة في طينتهم وفوق مستوى الناس في عقولهم ونفوسهم. ويعطونهم سلطة لا حد لها، ويخضعون لها خضوعاً كاملاً- يقول البروفسور أرتهرسين مؤلف تاريخ (إيران في عهد الساسانيين) :
((كان المجتمع الإيراني مؤسساً على اعتبار النسب والحِرف، وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر ولا تصل بينها صلة (1) ، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير (2) ، وكان من قواعد السياسة الساسانية أن يقنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه (3) ، ولم يكن لأحد أن يتخذ
حرفة (4) غير الحرفة التي خلقه الله لها (5)
وكان ملوك إيران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم (6) ، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع (7)) .
وكان في هذا التفاوت بين طبقات الأمة امتهان للإنسانية يظهر لك جلياً في مجالس الأمراء والأشراف، حيث يقوم الناس على رؤوس الأمراء كأنهم جماد لا حراك بهم ويجلسون مزجر الكلب، وقد أكبر ذلك على رسول المسلمين وأنكره،
ويتبين مما روى الطبري ما وصل إليه الفرس من الاستكانة والخضوع لسادتهم جرياً على عاداتهم، قال:
((عن أبي عثمان النهدي قال لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس أجلسوه واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيروا شيئاً من شارتهم تقوية لتهاونهم، فأقبل المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبُسطهم على غلوة، ولا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليها غلوة، وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته، فوثبوا عليه فترتروه _ التَّرْتَرَة: الحركة الشديدة _وأنزلوه ومغثوه،
فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني. اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول (8)) .
(1) ((إيران في عهد الساسانيين)) ص 590.
(2) أيضاً ص 420.
(3) أيضاً ص 418.
(4) أيضاً ص 418.
(5) أيضاً ص 422.
(6) أيضاً ص 422.
(7) ((إيران في عهد الساسانيين)) ص 421.
(8) الطبري ج4 ص 108.
الروابط المفضلة