في أحد أرقى معاهد التدريب في الكويت جلست بجانبي شابة صغيرة لا يتجاوز عمرها العشرين وكعادتي تعرفت عليها وذهبنا لتناول فنجان قهوة في مطعم المعهد وبكل عفوية حدثتني بقصة حياتها وكأني صديقة حميمة غبت عنها منذ فترة ثم عدت إليها0000 فأنصت لها ولم أتمالك دموعي التي بدأت تسيل على خدي مدرارا من قصتها الأليمة000
قالت 00 كنت صغيرة عندما انفصل والداي وتزوج كل منهما 000كان والدي طيبا ولكن حياتي كانت كئيبة وحزينة لفراق والدتي وحياتي مع زوجة أبي 00 وشوقني زواج قريباتي في سن صغيرة على فكرة الزواج المبكرة واعتقدت أن الزواج سيكون وسيلتي للهروب من البيت0
وعندما جاءني أول خاطب كنت في سن الثامنة عشرة وكنت أعتقد في قرارة نفسي أني عانس0000! لقد كان أكبر مني بعشرين سنة000
ومتزوج وله أبناء ولا أدري كيف وافق والدي بسرعة وتم الزواج, هل كان يريد أن يتخلص مني؟0000 ولكنه القضاء والقدر0 وعشت مع هذا الرجل عيشة قاسية000 لقد كان يحبني كثيرا ويعاملني بطريقة يضغط علي بها فحرمني من أهلي ودراستي ولو كان يستطيع لحبسني في المنزل, ولكنه في المقابل كان يدللني بأسلوبه الخاص فكان لا يسمح لي بأن أعمل في المنزل فكان يطبخ عني ويكنس و 000يعمل كل شئ ليراني مرتاحة 0000بل ليراني خالصة له وحده وكنت صغيرة وساذجة ولا أعرف الحياة00 ولكني كنت دائما أقول له متى أصير كباقي النساء أخرج وأدرس وأعمل واذهب إلى أهلي 00 فكان لا يزيد علىصمته00 إلا بنظراته الغريبة 0
وأنعم الله علي بأن رزقني بطفلة جميلة ملأت فراغ حياتي وأعطيتها خالص حبي وشغلت بها عن آلامي مع زوجي القاسي0
وفي يوم من أيام الصيف ذهبنا إلى البحر ولما حان وقت الصلاة تركت ابنتي عند أبيها وصليت ولما انتهيت من الصلاة رأيت ابنتي ممدة بين يدي أبيها فصرخت فيه ماذا حصل لابنتي فأجابني بكل برود لقد غرقت في البحر000 لا أدري ما الذي حصل بعد ذلك وما الذي صدر مني لقد شعرت أن روحي تكاد تخرج من جسدي وصارت هذه الدنيا الواسعة ضيقة علي حتى كأني قد حبست بثوب من حديد 00 لقد انفصلت عن الواقع وانكرت ما حدث صدقوني كنت أرى ابنتي من وراء ستائر الغرفة حقيقة لا حلم 000! وكنت أراها بعد وفاتها تتقلب في ممرات البيت بل كنت اسمع صوتها وهي تقول لي كعادتها ( ماما اينا بابا) 00000
شعرت أن أحشائي تتمزق وقلبي يذوب كمدا وحزنا على فراق ابنتي , ومما زادني حسرة وحزنا أن زوجي فاجأني بقرار جديد وصارم , أتدرون ما هو أنه لا يريدني أن أنجب أبدا 0000! وكان يرغمني على استعمال موانع الحمل فصرت وكأن جبال الدنيا على صدري ببين شعوري بفقدي لابنتي وبين فقدي لأمل الإنجاب مرة أخرى 0 غريب أمر هذا الرجل لم يرحم لوعتي ولم يصبر حتى يرتفع عني الحزن بفقد ابنتي, فتفاقمت المشاكل بيني وبينه0
وأخذت أفكر في نفسي ما الذي جنيته من هذا الرجل 0000؟؟ السجن الذهبي الذي حبسني فيه حبسا انفراديا , أهذا هو الزواج الذي كنت أبحث عنه000؟؟ إلى متى سأظل خاضعة لهذا الرجل الأناني الذي لا يعرف إلا نفسه ؟ فاستعنت بالله واتخذت قرارا حاسما ورفعت سماعة الهاتف وأخبرت أبي بكل معاناتي مع هذا الرجل القاسي.فما لبثت إلا القليل حتى جاءني والدي يقوده الشعور بالذنب على هذه الزيجة التعيسة0
000000 ورجعت إلى بيت أبي 000 مطلقة صغيرة000 وأما ثكلى 000أجرجر أذيال الحسرة والألم فعشت أياما مريرة حتى جاءتني مكالمة لن أنساها
-انها من قريبتي فلانة: عندي لك مفاجأة , لقد سمع عنك فلان من العائلة وهو متأثر على حالك ومشفق مما أنت فيه ويتمنى لو يقدم لك كل ما يستطيع لإسعادك ويتمنى منك مكالمة هاتفية تفضلي رقمه00
-فقلت لها : إن كان يريدني زوجة فبابنا مفتوح , وإن كان ألمي قد أفقدني الشعور بكل احتياج 00 وان كان غير ذلك فأنا عفيفة وطاهرة ولا ألقي بنفسي في وحل العلاقات المحرمة مهما كانت الأسباب0
-ولكن أهل غير موافقين على الزواج وهو يردي إقامة علاقة هاتفية بريئة معك الى أن يرضوا00
- فقلت لها علاقة هاتفية شريفة؟؟أرجوك لا أرضى على ذاتي بالسفول0
وانتهت المكالمة
ومع مرور الأيام صحت أمي من غفلتها وحاولت أن تقدم لي ما تستطيع لتنسيني همومي وأحزاني , وسفرتني مع أخواني إلى أحد الدول العربية (…) وهناك في هذه الدولة العجيبة رأيت ما لم أره في حياتي فعشت فيها أياما أشبه ما تكون بالحلم , رأيت الدنيا ولأول مرة 000 الدنيا التي حرمت منها سنوات طويلة , فاستمعت بهذه الدولة و أنساني استمتاعي بها كل شئ 000 طفولتي 000وزاجي الفاشل000 وحتى وفاة ابنتي0
وعندما رجعت إلى بلدي أخبرني والدي إن زوجي السابق نادم أشد الندم ويريد إن يرجعني إلي عصمته وسيعطيني حرية الإنجاب فرفضت الرجوع للسجن برجلي وقلت لوالدي لقد انتهى كل ما بيني وبين هذا الرجل لن أرجع أبدا للشقاء0
- وجاءني صوت قريبتي على الهاتف ثانية: ماذا قلت عن موضوعنا انه في انتظارك , ونيته الزواج الشريف؟
- فقلت لها لن أغير رأي 00
وبعد مدة جاءني والدي فقال لقد خطبك فلان من العائلة( نفس الشاب الذي حاول إقامة علاقة هاتفية) وهو رجل مستقيم و خلوق ومن سنك ولم يسبق له الزواج ولأن أهله غير موافقين سأزوجكما بالسر00 فلا يعلم بزواجكما غيري0
فوافقت وتم الزواج في صمت لم يشاركني أحد في فرحتي غير أبي فوجدته شابا مستقيما يحبني بصدق ويؤثر راحتي على كل شئ 00 لقد عرفت الحب الحقيقي الطاهر الصادق عندما رفضت إقامة علاقة مع هذا الشاب , فجاءني بالحلال حتى أنه قال لي كنت أريد الزواج منك بسبب ما سمعته عنك أنك مظلومة فأردت أن أسعدك ولما رفضت مكالمتي الهاتفية كبرت في عيني وعلمت سمو أخلاقك وقلت لن تكون شريكتي في الحياة غير هذه الفتاة العفيفة 00
و ها قد مرت الأيام وعلم الجميع بزواجي وباركوا هذا الزواج حتى أهله الذين لم يرضوا في البداية بعد أن تعرفوا علي أحبوني أكثر من جميع زوجات أبناءهم0 والآن أعيش عيشة رضية مع ابني وزوجي وأحمد الله على وفاة ابنتي الوحيدة التي كانت لي بابا للخلاص من السجن والسجان والانتقال إلي الحياة السعيدة المليئة بالحب الصادق النقي الذي لا يعرف الأنانية 0
وصدق الله العظيم (( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا))
الروابط المفضلة