لست بصدد الحديث عن (جدوى) قرار دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة المعارف ، والذي سماه أحدهم بـ ( عودة الفرع إلى الأصل ) ، مما يذكر ببيانات ( صدّام حسين) إبّان مغامرة احتلال الكويت 0 ويذكر أيضا بمسائل جوهرية ، في بنية خطابنا ومنهجيتنا في التفكير 00 منها ، أننا في مواقفنـا ( حديين ) 00 نؤمن بالقرار المعجزة 00 ( الآخر ) دائما على خطأ 00 لم يفعل ( خيرا ) قط 00 ( وحدنا ) نحن 00 الوطنيون المخلصون 0

عدم الحديث عن القرار ، ينبع من إيماني أن الكلام عنه ( الآن ) ، سابق لأوانه 0 وأن حل الأخطاء الإدارية لجهاز ما ، لا يأتي من خلال تضخيم جهاز بيروقراطي آخر ، هو الآخر متخم بالأخطاء0جهاز أشبه ما يكون بـ ( ظاهرة صوتية ) 0 أفضل إنجازاته ( مجلة ) تطبع على ورق صقيل ، ورحلات ( مكلفة ) لكبار الموظفين ، باسم التدريب 0 أكثر شيء لفت إنتباهي ، التداعيات التي اعقبت صدور القرار ، وكان أكثرها وضوحا الانقسام الحاد في المواقف ، واللغة التي أستخدمت للتعبير عن تلك المواقـف 0 كـان هناك ( خوف ) من نتائج القرار ، وكان هناك ( تصفيق ) 0

بسبب الوضع ( غير الطبيعي ) في مجتمعنا ، حيث تتركز قنوات التعبير في يد ( أقلية ) محدودة 0 أتيح للمصفقين أن يلهبوا أكفهم ، ويملأوا فضاء المجتمع بالتطبيل 00 وبصيحات الاشادة والتهليل 00 والشماتـة 0 فقط 00 لأنهـم ( يملكون ) المنابر 0 وأنكفأ الخائفون في مجالسهم الخاصة ، يتجرعون الغصص ، ويتوجسون من ( مستقبل ) لا يعرفونه 00 ويحوقلون !!
أبرز ( الحدث ) أننا نعيش ( إنقساماً ) حقيقيا في مجتمعنا ، ونخفي تشفياً ، وشماتة مشوبة با الكراهية ، تجاه فئة منا 0 إنقسام فئوي 00 مناطقي 00 ( مؤدلج ) ، لا يواري رغبته في تكريس القطيعة مع كل ماله علاقة بـ ( الخصوصية التاريخية ) لنشوء المجتمع ، وتشكل نظامه السياسي 0 أبرز الحدث أيضا ، أننا ( نشخصن ) القضايا والمؤسسات 00 بل الحراك الاجتماعي بأكمله 0 ففلان 00 أو المؤسسة الفلانية ، هي 00 أو هو الإسلام 00
فعند فريق ، يمثل ( رمزاً ) للتخلف ، وعند الآخر ( يزول ) بزواله الاسلام 00!
الذين خافوا من التغيير،هم من جانب ، أسرى ( الشخصنة ) ، ونتاج مجتمع ( جامد ) يخاف التغيير 0 مجتمع تهب الرياح العاتية من حوله 00 وهو جامد 0 وإذا ما فرض عليه التغيير ( فرضاً ) ، جثى في وجه ( الريح ) التي اقتلعته يسألها ( الغفران )00 والثبات 0 مجتمع جامد لا يتفاعل مع المستجدات ، ويعيد صهرها في نسقه القيمي ونظامه الثقافي ، ويفتقد الرؤية والمشروع 0 ربط نفسه بـ ( أشخاص ) ، بعضهم موتى ، ومنحهم القدرة على التحكم بحركة التاريخ والسنن الكونية 0 هذا ( الوهم ) بالقدرات الكارزمية للأشخاص ، أو حتى لاشباحهم بعد أن غيبهم الموت ، قلل من ( إرادة ) الجماهير ، واستهان بحقها في الاختيار ، وقدرتها في أن تقبل 00 أو ترفض ، متى ما كانت تنطلق من رؤية واضحة ، تستند إلى ( مرجعية ) فكرية ، وليس إلى أشخاص 0

الذين خافو 00 وضربوا أخماساً بأسداس ، ظنوا أن ( تعيين ) رجل 00 و ( إزاحة ) آخر ، يمكن أن يحرف واقعا إجتماعياً ، أو يلغي نظاما ثقافيا 0 إنه مرّة أخرى ( وهم ) الأشخاص ، وقدرتهم على ( التلاعب ) بحركة التاريخ 0
إن ربط مصائر الأمم والشعوب بأفراد ، هو الذي يؤدي إلى ( خنوع ) الجماهير ، وإمتثالها لما يفرض عليها من ( فوق ) ، ويجعلها تتنازل عن حقها في خياراتها المبدأية :
دينها 00 نظامها الثقافي 00 منظومتها القيمية 00 أسلوبها في الحياة 00

إن التدافع 00 أو ( الصراع ) ، كما يسميه الرفاق اليساريون ، سنة كونية ، وناموس إلهي ينظم التحولات الحضارية 0 إنه الفعل ( الجمعي ) ، وليست مشيئة فرد ، أو أفراد ، ذاك الذي يقرر إلى أين تتجه الأمم والشعوب ، في حراكها الاجتماعي وتحولاتها الحضارية 0 إن على الجماهير 00 وليس (الفرد) ، أن تقـاوم 00 وتقود الصراع 0 وعليها أن تقبـل التغيير ، ولكن توجهه في سياقه الحضاري 00 وأن ترفض ( الانحراف ) وتقاومه 0
الذين صفقوا 00 تأمل لغة الخطاب الصارخة 0 تكريس حاد لـ ( نحن ) و ( هم ) 0 مرّة أخرى تلبس الأهواء ، والمواقف الشخصية ، والقولبة الفكرية الجاهزة ، لبوس ( الهم الوطني ) ، والصالح العام ، وتظهر الفئوية المؤدلجة 0 ماذا تعني عناوين من نوع 00
" نهاية إمبراطورية " ، " سقوط الأسوار " ، " الحدث التأريخي " 00؟
هل كانت الرئاسة العامة لتعليم البنات إلا مرفقاً حكوميا مثل أي مؤسسة أخرى 00؟ توحي العناوين وكأننا أمام ( عصابة مافيا ) لها ( دولة ) داخل الدولة، أو كأننا حيال جسم ( غرس ) في جسد الدولة 00 يدار من ( الخارج ) 00!

ثم 00 حدث تاريخي 00! أي ( تاريخية ) في دمج جهاز حكومي بآخر 00؟ إنها لغة الاثارة والتحريض 00 إنها اللغة ( المؤدلجة ) التي تكرس الصراع بين فئات المجتمع ، وتقسمنا إلى منتصر ومهزوم 00 وتؤكد ( فعلا ) على وجوب ( التناحر ) للمحافظة على ( الارث ) التاريخي 00 أو على ( المكتسبات ) 00 وتدفع الى الفرز والاستقطاب 00 الذي لا يقيم إحتراما للآخر ، ولا ينشيء بيئة ( حوار ) صحية 00 ويهدد الوحدة الوطنية 0
هل حقا نحن إزاء مشكلة ( هوية ) في مجتمعنا 00؟ نحتاج لأحداث ( عارضة ) ، مثل حريق مدرسة مكة ، لنعيد إثارة مسألة الهوية ، والحاجة إلى ( حسمها ) 00؟! هل أصبحت المؤسسات الرسمية ، الموسومة بـ ( الدينية ) ، مشكلة يجب التخلص منها بعد أحداث 11 سبتمبر 00؟
هل صارت أحداث سبتمبر ذريعة لإعادة ( تشكيل ) المجتمع 00 نظاماً ثقافياً 00 وإجتماعياً ، ونسقا قيمياً 00 ومؤسسات ، ليرضى عنّا ( الآخر ) 00 العدو ، بطريقة ، ستؤول في النهايـة إلى مصادمة وتهديد ( شرعية ) النظام والمجتمع ، وضرب عوامل استقرارهما 00؟! إذا كانت منتديات ( الانترنت ) هي العاكس الحقيقي للتوجه الشعبي ، ونبض الشارع ، نظراً لبعدها عن سيطرة ( الاقلية ) النخبوية المتسلطة ، التي تدعي تمثيل الجماهير ، فإنها ، بتعاملها مع ( الحدث ) ، عبرت عن الموقف العام تجاه القرار ، لكنها كشفت وجهاً آخر غير جميل لمجتمعنا 0 هذا ( الوجه ) كرسته سياسة خاطئة ، ظلت توزع مناصب الدولة التنفيذية العليا على أساس مناطقي ، وليس على أساس الكفاءة 0 هذه الوزارة لأهل نجد ، وتلك لأهل الحجاز 00 لذلك 00 اعتبر ( التغيير ) ، حقا انتزع من أهل نجد ، واسترده أهل الحجاز 00 ففاح العفن الاقليمي 0
إنه من الجحود بمكان 00 والنفي والإقصاء الكريه ، الزعم أن رئاسة تعليم البنات لم ( تقدم ) شيئا 00 !ولن أدخل في مقارنة ، على سبيل ( المهاترة ) ، بين ما يسمى ( إنجازات ) وزارة المعارف ، وما قدمته الرئاسة العامة لتعليم البنات 0 ليس على المستوى التعليمي فقط ، بل حتى على المستوى التربوي والأخلاقي 0
إننا ننعم بنهضة تعليمية نسائية رائعة وجميلة ، لم تتلوث بما عانت منه مجتمعات عربية وإسلاميــة 0 وحققت نساؤنـا وبناتنـا انجــازات مشرفة في كل الميادين 00 رغم كل ( الاخطاء ) 00!
إن صراخ وضجيج المنابر الاعلامية ( المحتكرة ) 00 التي تسيطر عليها ( الأقلية ) ، لا يلغي أن هناك رأياً شعبيا مختلفا 00 متوجساً ، ومعتبراً 0 ولا يقف أمامنـا من أن نقول كلمة الحق 00 والنصح للمسؤلين 00
إن الاستيـاء 00 والخوف 00 والتوجـس الشعبـي 00 له ما يبرره ، وهم أجدر واولى من يثمن ذلك 00 ويتفهمه 0
إننا في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى ( اتصال ) فعّال يسمع فيه بعضنا بعضاً 00 بثقة 00 واحترام 00 وتلمس للهموم والمخاوف 00!

د 0 محمد