إنه والد لعشرة أطفال ... عاش في هذه الحياة فقيراً .. ومع ذلك فقد مريضاً بمرض القلب وكان هذا المرض هو سبب عجزه عن الوصول لما يصبو إليه كما أنه كان بقيه عن بذل أي جهد أكثر لزيادة دخله كي يصرف على هؤلاء الأطفال الذين كان يعولهم .
وكانت له زوجة مثال للزوجة الصبورة العاقلة التي رضيت بما قسمه الله لها ولم تتضايق أو تتأفف لقسمتها مع ذلك الزوج المريض !.. وظلت تكافح معه وتجاهد بكل استطاعتها كي تربي أطفالها تربية حسنة رغم فقرها وعوزهم . وقبل ذلك كانت تريد الأجر والثواب من الله ، على كل ما صنعته مع أولادها وزوجها المعدم . لم تكن تظهر الملل من عيشة الفقر التي تعيشها معه بل كانت تظهر السعادة والسرور لكل من حولها .
كان هذا الرجل أيضاً حريصاً على تربية أبنائه تربية إسلامية مع ما كان يعانيه من مرض وفقر ..ز فقد حرص على تربية أبنه الأكبر الذي كان يعتمد عليه بعد الله في تحمل كثير من الأعباء وبالفعل فقد تعلم هذا الابن وأصبح رجلا فاهماً وواعياً مدركاً لكل ما يدور حوله .. وكان يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه فكثيراً ما كان يحز في نفسه فقر أبيه ومرضه الذي يعاني منه فكان يبذل كل ما في جهده لمساعدة والده ومساندته في كسب العيش الحلال . رغم عقلية هذا الابن المتزنة وإحساسه بالمسؤولية إلا أنه وقع في شراك هذا الوباء اللعين ... المخدرات !! قد تسأل كيف كان ذلك ؟ وما الشيء الذي جعله يسقط في براثين هذا الداء ؟ أقول بالطبع هم رفقاء السوء !! .
نعم رفقاء السوء الذين هم السبب دائما وراء الوقوع في هذا الوباء الخطير . فقد تعرف هذا الابن على بعض الشباب الذين لا يعرفون بل يتجاهلون معنى المسؤولية ... وكانوا على أخلاق بذيئة وأعمال سيئة ..
احتك بهم هذا الابن بحجة قضاء الوقت والترويح عن النفس معهم فأصبح سلوكه يتغير شيئاً فشيئاً حتى جعلوا يحرضونه على استعمال نوع من المخدرات .. وأوهموه بأنه سوف تنسيه مأساته التي يعيشها .. وسوف تنقله إلى عالم آخر بعيداً عن المشاكل والهموم .. ودعوه إلى تجربة ذلك وبالفعل فقد وجد نفسه مضطراً للنزول إلى رغبتهم فما أن جربها حتى وقع في المخ وصار أسيراً لها حتى أصبحت عادة له كالطعام والشراب لا عنى له عنها.
مرت الأيام تلو الأيام وهذا الابن واقع في شراك هذا الوباء لا يثنيه عنه ، نصيحة ناصح ولا ردع رادع . وفجأة أصيب والده بأزمة حادة نقل على أثرها إلى المستشفى وقد أحس بدنو أجله .. كانت دموعه تنهمر على خده كالشلال حينما يتذكر أطفاله وزوجته المسكينة ترى من لهم بعد أن يموت ... ومن سيصرف عليهم ... وما مصيرهم في هذه الحياة القاسية .. ظل يفكر حتى هدته هذه المأساة ولوعة هذا المصاب فراح يبكي في حرقة وصمت ويدعو الله أن يلطف بحاله وحال أولاده وفي تلك الليلة التي فارق فيها الدنيا ورحل إلى الآخرة دعا إليه ابنه الأكبر وضمه إلى صدره والأسى يثقله والهم يلوح في نظراته وكأنها معانقة دموع ثم أجهش بالبكاء وهو يقول ( يا بني أحس بأن عمري قد أنتهي .. سأودع هذه الدنيا وأرحل إلى الله ... وليس لهم أحد بعد الله بعدي إلا أنت سأموت وأنا مرتاح البال لأنك موجود بجانبهم ولأنك ستعوضهم عن والدهم الذي سيفقدونه .
يا بني كن حنوناً عطوفا عليهم .
يا بني لا تتبع أهواء نفسك ودروب الشيطان وأحذر أصدقاء السوء الذين يضلونك عن سبيل الله ، ويلهونك عن أخوتك الذين هم في أمس الحاجة إليك .
يا بني إن أملي بالله ثم بك لكبير فكن عند حسن الظن بارك الله فيك ، ترك الأب ولده بعدها وقد هده الألم وبعدها بلحظات جاشت في صدره حشرجة تمتم بعدها بكلمات متقطعة لا يعرف معناها وانتقلت روحه إلى بارئها .
هنا جاء دور الابن الأكبر فقد أثر فيه موقف والده فعمل جاداً في البحث عن عمل يسترزق منه لوالدته وإخوانه في البحث عن عمل لم يكن يحلم به در عليه شيئاً تحسن به وضع أسرته واضمحلت الكآبة والحزن عن وجوه أخواته ليحل محلها الفرح والسرور . كان هذا الابن يزاول هذه الأعمال مع استعماله للمخدرات بين الفينة والأخرى وذلك لإدمانه عليها . ويأتي أحيانا إلى المنزل بشكل غير طبيعي وتصدر منه بعض الحركات التي تدل على أنه في غير شعوره .
كانت أمه تعلم بذلك وكثيراً ما كانت تنصحه وتقول هذه الحالة التي أنت فيها وعليها لا يرضى بها الله .. كانت تقول له يا بني إن حالك لا يطمئن وإن ما أنت فيه خزي وعار وكارثة لا تعود بالخير على نفسك ولا علينا يا بني ابتعد عن المجتمع السيئ الذي تعيش فيه فلقد انعم الله علينا أعطانا وحسن من وضعنا وحالنا ... يا بني عد إلى الله وتب واقلع عن هذه الجريمة . يا بني إن الله يمهل ولا يهمل .. كانت أمه تتضرع إلى الله وتبكي في حرقة وألم يا لطيف يا قادر .. يا رب أنقذه من هذه الشرور وفجأة وفي أحد الأيام قبض عليه من قبل الشرطة وهو يحمل معه نوعاً من المخدرات . والقي بعدها في السجن .. وهكذا كل ما بناه في سنين خسره في ثوان وجلس يجتر الألم ويلوح بالحسرة والندامة - وهكذا تكون نهاية كل إنسان يتبع هواه ولذائذ نفسه .
ملحوظة : صاحب هذه القصة خرج من السجن وهو عازم على التوبة وعدم الرجوع إلى تلك الآفة
نسأل الله له الثبــــــــــــــــــــــــــــــــــات ..