شاب من أهل مكة يعتنق النصرانية
كاد يجنُّ من الفرح ، و يطير من فرط السعادة ، ولم تسعه ثيابه كما يقال ، عندما سمع نبأ قبوله في البعثة الخارجية إلى فرنسا...
كان يشعر أنه سيمتلك الدنيا ويصبح حديث مجالس قومه ....
وكلما اقترب موعد السفر، كلما شعر أنه أقبل على أبواب العصر الحديث التي ستفتح لـه آفاقاً يفوق بها أقرانه وأصحابه ..
شيءٌ واحدٌ كان يؤرقه .. ويقضُ مضجعه ...
كيف أترك مكة !
سنين طوالاً
وقد شغف بها فؤادي
وترعرعت بين أوديتها
وشربت من مائها الحبيب
من زمزم العذب
ماأنشز عظامي وكساها لحماً !
وأمي ..أمي الغالية من سيرعاها في غيابي ...
إخوتي يحبونها .. لكن ليس كحبي لها .. .
من سيوصلها من الحرم لتصلي فيه كل يوم كعادتها ؟!
أسئلة كثيرة .. لا جواب عليها ...
أزف الرحيل ...
وحـزم الحقائبَ ؛ وحمـل بيـده التذاكرَ ...
وودع أمَّـه وقبلَّ رأسها ويديها .. وودع إخوته وأخواته .. واشتبكت الدمـوعُ في الخدود ...
وودع مكة المكرمة والمسجد الحرام ...
وسافر والأسى يقطّع قلبه …
قدم إلى فرنسا بلادٍ لا عهد لـه بها .. .
صُعق عندما رأى النساء العاريـات يمـلأن الشوارع بلا حياء ...
وشعر بتفاهة المرأة لديهم , وحقارتها...
وعاوده حنينٌ شديدإلى أرض الطهر والإيمان ... والستر والعفاف ...
انتظم في دراسته .. .
وكانت الطامةالأخرى !!
يقعد معه على مقاعد الدراسة .. بناتٌ مراهقاتٌ قد سترن نصف أجسادهن ..وأبحن النصف الآخر للناظرين !
كان يدخل قاعة الدرس ورأسه بين قدميه حياءً وخجلاً...
ولكنهم قديماً قالوا : كثرةُ الإمساس تُفقد الإحساس ...
مرَّ زمنٌ عليه .. فإذا به يجد نفسه تألف تلك المناظر القذرة ...
بل ويطلق لعينيه العنان ينظر إليهن ...
فالتهب فؤاده .. وأصبح شغله الشاغل هو كيف سيحصل على ما يطفي نار شهوته ...
وماأسرع ما كان ! .
أتقن اللغة الفرنسية في أشهر يسيرة !!
وكان مما شجعه على إتقانها رغبته في التحدث إليهن .. .
مرت الأشهر ثقيلةً عليه ...
وشيئاً فشيئاً ..وإذا به يقع في أسر إحداهن من ذوات الأعين الزرقاء !
والعرب قالوا قديماً :زرقة العين قد تدل على الخبث ...
ملكت عليه مشاعره في بلد الغربة ...
فانساق وراءها وعشقها عشقاً جعله لا يعقل شيئاً ...
ولا يشغله شيءٌ سواها ...
فاستفاق ليلةعلى آخر قطرة نزلت من إيمانه على أعقاب تلك الفتاة ...
فكاد يذهب عقله ...
وتملكـه البـكاء , حتى كاد يحرق جوفه ...
تراءى لـه في أفق غرفته ...
مكةُ ..
والكعبةُ ..
وأمُّه ..
وبلاده الطيبة !
احتقر نفسه وازدراها حتى همَّ بالانتحار !
لكن الشيطانة لم تدعه ...
رغم اعترافه لها بأنه مسلمٌ وأن هذا أمرٌ حرمه لإسلام ؛ وهو نادمٌ على ما فعل ...
إلاَّ أنها أوغلت في استدارجه إلى سهرة منتنةٍ أخرى ...
فأخذته إلى منزلها .. .
وهناك رأى من هي أجمل منها من أخواتها أمام مرأى ومسمع من أبيها وأمها !
لكنهم أناسٌ ليس في قاموسهم كلمة ( العِرض ) ولا يوجد تعريف لها عندهم ...
لم يعد همُّه همَّ واحدٍ .. بل تشعبت به الطرق .. وتاهت به المسالك .. فتردى في مهاوي الردى .. وانزلقت قدمه إلى أوعر المهالك !
ما استغاث بالله فما صرف الله عنه كيدهن ؛ فصباإليهن وكان من الجاهلين ...
تشبثن به يوماً .. ورجونه أن يرى معهن عبادتهن في الكنيسة في يوم (الأحد) .. وليرى اعترافات المذنبين أمام القسيسين والرهبان !! وليسمع الغفران الذي يوزعه رهبانهم بالمجان !
فذهب معهن كالمسحور ..
وقف على باب الكنيسة متردداً
فجاءته إشارة ٌمن إحداهن .. أن افعل مثلما نفعل !!
فنظر فإذا هن يُشرن إلى صدورهن بأيديهن في هيئة صليبٍ !...
فرفع يده ..وفعل التصليب ! ثم دخل !! .
رأى في الكنيسة ما يعلم الجاهل أنه باطل .. ولكن سبحان مقلب القلوب !
أغرته سخافاتُ الرهبان ، ومنحهم لصكوك الغفران ...
ولأنه فَقَدَ لذة الإيمان
كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظُّلّة ؛ فإذا أقلع رجع إليه" ...
فقدْ أطلق أيضاً لخياله العنان .. وصدق ما يعتاده عن توهمِ ...
فكانت القاضية ...
الروابط المفضلة