بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رسالة بعثها الشيخ الدكتور عائض القرني حفظه الله إلى رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق .. يدعوه فيها إلى الإسلام ..
إلى الرئيس نيلسون مانديلا ..
تحية طيبة أيها الرئيس العظيم :
أنا أحد الملايين في مشارق الأرض ومغاربها ، الذي قرأوا سيرتك ، وعرفوا جهادك ، وأعجبوا بصمودك ، وتعجبوا من تضحيتك واستبسالك في سبيل مبدئك ، ولأجل حريتك وحرية شعبك ، حتى صرت نجماً في أفق الحرية ، وزعيماً عالمياً في مدرسة النضال ، ومنظراً عبقرياً في دستور حقوق الإنسان ..
لقد أخذ الناس منك قصة الكفاح ، واستفادوا منك رواية المجد وأنشودة الإصرار والتحدي ، فصرت أنت أباً لكثير من المستضعفين الذين سلبوا حقوقهم ، واضطهدوا في ديارهم ، وحرمهم الاستبداد من العيش الكريم ، فرأوا فيك مثالاً حياً ، وقدوة حسنة في الصبر والإصرار والاستمرار ، ورفض الظلم ومواصلة البذل والفداء ، حتى تنال الحقوق ..
أيها الرئيس العظيم :
إن الإسلام - دين الله الحق - دين عظيم ، يحب العظماء ، ويحترم المبدعين ، ويحيي الشرفاء ، وأنت أحدهم .. إنه دين المساواة ، ساوى بين عمر العربي ، وبلال الحبشي ، وسلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، إنه دين يرفض الظلم ، ويحرم الاستبداد ، ويلغي فوارق اللون والجنس واللغة ، يقول الله عز وجل : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ..
أيها الرئيس العظيم :
إن الإسلام يحتفي بمثلك من العظماء ، لأنه دين يقدِّر الفضيلة ، ويعظم الصبر ، ويحث على العدل ، وينشد السلام ، وينشر الرحمة ، ويدعو إلى الإخاء ..
أيها الرئيس العظيم :
لقد حصلت على المجد الدنيوي ، ونلت الشرف العالمي ، وأحرزت وسام التضحية ، ولبست تاج الحرية ، فأضف إلى ذلك الظفر بطاعة الله وبالإيمان به ، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون ذلك إلا بالإسلام ، فاسلم تسلم ، أسلم تنل العز في الدنيا والآخرة ، والفوز في الأولى والثانية ، والنجاة من عذاب الأرض والسماء ، ويرحب بك مليار ومائتا مليون مسلم ، وتفتح لك أبواب الجنة ..
أيها الرئيس العظيم :
إنك مكسب للإسلام ورصيد للمسلمين ، وما أجملها أن تنطلق من فمك كلمة الحق والعدل والسلام والحرية : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، وهي أصدق جملة أنزلها الله على الإنسان ، وهي سر سعادة الإنسان ونجاته وفرحه ونصره ..
أيها الرئيس العظيم :
كلما قابلت في بلاد الإسلام علماء وزعماء وأدباء وحكماء قالوا : ليت " نيلسون مانديلا " مسلم ، فأرجوك وآمل منك أن تعلنها قوية مدوية خالدة : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " حينها سيصفق لك عباد الله في القارات الست ، وتحييك مكة ، وتفتح لك الكعبة أبوابها ، وتشيد منابر المسلمين باسمك الجميل ، أنت صبرت في الزنزانة 27 سنة حتى كسرت القيد ، وأنتصرت على الظلم ، وسحقت الطاغوت ، فسطر بإسلامك ملحمة من الإيمان ، وقصة من الشجاعة ، وصورة رائعة من صور البطولة ..
أيها الرئيس العظيم :
والله لقد وجدنا في الإسلام -نحن المسلمين- قيمة الإنسان وكرامته ، وذقنا حلاوة الإيمان ولذة الطاعة ، ومتعة العبودية لله ، وشرف السجود له ، ومجد اتباع رسوله ، ولأنك عزيز علينا ، أثير في نفوسنا -لتاريخك المشرق- ، فنحب أن تشاركنا هذه الحياة السعيدة في ظل الإسلام ، والفرصة الغامرة في رحاب الدين الخالد ..
أيها الرئيس العظيم :
أن المثل العليا التي تدعو لها ستجدها مجتمعة في الإسلام ، والرحمة التي يخفق قلبك بها ستلمسها في الإسلام ، والعدل الذي تدعو إليه ستسعد به في الإسلام .. إن الإسلام يحب الصابرين وأنت صابر ، ويحترم الأذكياء وأنت ذكي ، ويبجل العقلاء الأسوياء وأنت عاقل سوي ، ويحتفي بالشجعان وأنت شجاع ..
أيها الرئيس العظيم :
لقد عشت معك أياماً جميلة عبر مذكراتك : " رحلتي الطويلة من أجل الحرية " ، فوجدت ما بهرني من عظمتك وصبرك وبسالتك ، فقلت: ليت هذا الإنسان الفاضل الألمعي مسلم ، ووالله لا أجد دينا يستاهلك وتستاهله غير الإسلام ، ولا أعرف مبدأ يكرم مثلك إلا الإسلام ، لأنه دين الفطرة ، يشرح الصدر ويخاطب العقل ، ويهذب النفس ، ويزكي الأخلاق ، ويكرم الإنسان ، ويعمر الكون ..
أيها الرئيس العظيم :
أنا أخاطبك من مكة ، من جوار الكعبة ، حيث نزل القرآن وبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وأشرقت شمس الرسالة ، وكسر الصنم ، وحطم الطاغوت ، وأعلنت حقوق الإنسان ، وألغي الاستبداد ، ونشر العدل والسلام .. يقول ربنا وربك جل في علاه : " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " ..
أيها الرئيس العظيم :
إن الحياة قصيرة متعبة ، فما بالك إذا كانت حياة مثلك من العظماء ، إذ قضيت ما يقارب النصف من عمرك مظلوماً مسجوناً ، وهناك حياة الأبد والخلود في حياة النعيم التي ينالها المؤمنون بالله المتبعون لرسله ، وأرجو ألا تفوتك هذه السعادة والفوز ، وكما يقول الفيلسوف الشهير ديكارت : " إن الحياة مسرحية رأينا المشهد الأول ، مشهد الظالم والمظلوم ، والغالب والمغلوب ، والقوي والضعيف ، فأين المشهد الثاني الذي يكون فيه العدل ؟ " . فأجابه علماء المسلمين بقولهم : " المشهد الثاني هو يوم الحساب في الآخرة ، يوم تنصب محكمة العدل ، إذ لا حاكم إلا الله ، ليوفي كل نفس بما كسبت ، ويحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون " .
وفي الختام أسعد بأن أهديك كتابي : " لا تحزن " ، لعلك تجد في إجماع العلماء والحكماء العباقرة على أن السعادة في الإسلام .
أسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يشرح صدرك - أيها الرئيس - للإسلام .
وتقبل تحيات المسلمين رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً في كل أصقاع الأرض .
وتقبلوا تحياتي
د. عائض عبدالله القرني
الروابط المفضلة