مفاسد الكذب
إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس ، فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً ، والحق باطلاً والباطل حقاً ، والخير شراً والشر حقاً ، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له ، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه . ونفس الكاذب مُعرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطلب . وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل ارادي فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدوراً عنه كمصدر الكذب عن اللسان . فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله .
ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار ) وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ، ثم يسري إلى الجوارح فيفسدعليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله ، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله ، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع المادة من أصلها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق ، واضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والاشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها من أصل الكذب . فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته ، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق . ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) وقال تعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) وقال تعالى ( وجاء المعذرون من الأعراب ليُوذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم ).
المرجع كتاب الفوائد لأبن القيم الجوزية
الروابط المفضلة