بسم الله الرحمن الرحيم
يُحكى في قصص أهل البادية .. أنه كان رجل بدوي يسير بفلاة مسافراً إلى جهة يريدها .. وبينما هو يسير في طريقه إذ به يلمح عن بُعد بيت شعر .. فقرَّر بعد أن أخذ منه تعب السفر مأخذه .. أن يتضيف عند صاحب ذلك البيت ويستريح وينام ثم ينطلق مُكملاً سفره إلى مقصده (وكان هذا عُرفاً لدى البدو الرُحَّل) ..
يقول :
عندما دنوت من بيت الشعر ناديت أن يا صاحب البيت ! .. فإذا بالجواب يأتي من داخله بصوت زوجة صاحب البيت .. التي خرجت من البيت تسبقها أجمل عبارات الترحيب والحفاوة بقدوم الضيف الذي له عند العرب شأن ليس بالقليل .. وطلبت منه تلك المرأة أن يتفضل إلى حيث قسم الرجال في بيت الشعر حتى يعود زوجها .. ثم قرَّبت له الماء والقهوة والتمر .. واستأذنته بالانصراف .. ثم ذهبت إلى حضيرة الأغنام واختارت واحدة من أحسنها ضيافةً له ..
وبينما هي مشغولة بإعداد الضيافة .. إذ بزوجها يأتي من شغله .. فلاحظ وجود الضيف في بيته .. فلم يذهب إليه ولم يُرحب به .. بل ذهب مباشرةً إلى زوجته وسألها عن ذلك الرجل .. فقالت له : إنه ضيف أتانا يتضيَّف عندنا وقد استقبلته وها أنا أُعدُّ ضيافته .. فتضايق زوجها من ذلك .. ووبخها وأنَّبها وأغلظ عليها في الكلام .. فإلى متى كلما جاء رجل غريب استضفتِه وضيَّفته .. ولِمَ كل هذه الخسائر ؟!! .. طبعاً .. كل هذا .. والضيف يسمع كلام زوج المرأة !!
بعدها دخل صاحب بيت الشعر إلى ضيفه ورحَّب به ترحيباً باهتاً ميتاً لا روح فيه !! .. وبعد أن تناول الضيف ضيافته ونام واستراح .. استأذن صاحب البيت .. ثم غادر مُكملاً سفره .. وهو مُتعجب من كرم تلك المرأة وجودها وحسن استقبالها ومن بخل ذلك الرجل وسوء أخلاقه !! ..
وبعد أن سار مسافة طويلة .. وجد بيت شعر آخر .. فمال إليه للضيافة والراحة .. وعندما دنا منه ونادى .. ردَّ عليه صاحب البيت بأجمل العبارات ورحَّب به واستقبله أجمل ما يكون استقبال الضيف وتهلل وبشَّ في وجهه .. ثم نادى على زوجته أن تجهز بعض الطعام للضيف ولراحلته .. ثم ذهب الرجل إلى أغنامه كي يختار منها ما يُضيِّف به ضيفه .. فإذا بزوجته توبَّخه وتؤنِّبه وتعاتبه على استقباله وضيافته للضيوف دائماً .. وأيضاً .. كان الضيف يسمع كلام الزوجة لزوجها !! ..
وبينما الضيف ومضيِّفه يتجاذبون أطراف الحديث إلى أن تجهز الضيافة .. إذ علت وجه الضيف ابتسامة عابرة .. جعلت المضيف يسأله عن سببها .. فأخبره الضيف بما كان من صاحب البيت الأول وزوجته .. وما كان منه هو وزوجته ..
عندها ابتسم صاحب البيت ابتسامة جعلت الضيف يُبادره بالسؤال أيضاً عن سببها .. عندها أجابه صاحب البيت بإجابة لم يكن يتوقعها :
فالمرأة الكريمة التي في البيت الأول ما هي إلا أخت هذا الرجل الكريم .. وزوجها البخيل ما هو إلا أخو زوجة هذا الرجل !! ..
القصد من هذه القصة :
أنك قد تجمعك الظروف بدون تخطيط منك ولا قصد بل وأحياناً بغير رضى بشخص يتباين معك كل التباين في ثقافته وقناعته ونمط تفكيره وأسلوب عيشه .. فعليك وقتها وقد حصل ما حصل .. أن تتعايش معه كما هو .. وأن تكون أنت مع الناس كما أنت لا كما يُريد الناس أن تكون .. ولا كما قد يفرض عليك الواقع أن تكون .. لا تتخلَّ عن مبادئك وقناعاتك وأهدافك ورؤاك لمجرد أن من حولك يتباينون معك في ذلك كله ..
(كن أنت) !!
الروابط المفضلة