العتاب والمعاتبة
من أهم ما يبقي المودة ويُشعر بالرحمة والقرب والألفة.
ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله جل وتعالى كان يعاتب أنبيائه ورسله وعباده الصالحين ..
( عفا الله عنك لم أذنت لهم)
( يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)
( عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى)
وحين نتأمل نصوص السيرة النبوية نجد ايضا كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الأمة على الأمة ، فكان يعاتب ويعتب ..
اقرأ إن شئت قصة الثلاثة الذين خلّفوا ..
وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم ( نعم العبد عبد الله لو كان يقوم من الليل ..) وهكذا ..
والذي يشد الانتباه ويلفت النظر ، سمو الأدب في آيات المعاتبة والعتاب ..
وتقرأ في طيّات نصوص السنة شدة الحرص والرحمة بالأمة من خلال همسات العتاب ومواقفه ..
وبمثل هذا يبقى العتاب أسمى ما يكون حين يؤلف القلوب ، ويرتق الفتق في رحمة وإشفاق ..
ومن هنا وجب على المتحابين بجلال الله أن يرقوا بمعاتباتهم ، وأن تسموا بهم روح الإيمان فتتعانق الأرواح طهرا وحباً وهي تبلسم بعضها بعضا لتداوي جراحها بيد الإشفاق والعطف والرحمة
أم أن نفوسنا لمّا تزل ترابيّة الأصل والطموح ؟!
وفي سبيل أن نخطو خطوة نحو السمو ..وحتى نعيش إخلاء أوفياء أصفياء أنقياء ..
أسطر الماحات ، في فن المعاتبة والعتاب ..
الأولى : كثرة اللوم في الغالب لا يأتي بخير ..
لكن ليس كل اللوم !!، وإنما كثرة اللوم والعتاب ، فإنها تنفر منك الصديق ، وتبغّض عليك العدو ..
ومن لا يغمض عينه عن صديقه : : : وعن بعض ما فيه يمت وهو عـــــاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثــــــــرة : : : يجدّها ولا يسلم له الدهر صاحب !!
ثق تماماً أن لحظة كدر في عتاب قد تفسد عليك أخوة دهر !
وتسرع في عتاب .. يفرّق عليك رأس المال ..
واسمع للخادم الصغير وهو يقول : " خدمة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لشيء فعلته لم فعلت ، ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعل !!
هذا وهو صغير مظنة وقوع الخطأ منه أعظم من مظنتها في كبير واع !!
الثانية : لا تطلب من الآخرين عدم الخطأ .. وإنما اطلب منهم أن لا يستمروا في الخطأ إذا علموه .
هكذا المؤمن ( مفتّن توّاب ، إذا ذُكّر تذكّر )
( ولو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ) !!
تلكم هي سنة الله ..
الثالثة : أزل الغشاوة عن عيني المخطئ .!
حين ترى الخطأ .. لا تتشنج .. أو تنقلب حماليق عينك ، أو يتعكر صفو مزاجك .. تمهل
قد يكون المخطئ غطت على عينيه غشاوة الخطأ أو المعصية .. فلا تستعجل في ذم أو تقبيح .. بل ابذل جهدك في إزالة الغشاوة عن عين المخطئ ..
يدخل شاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وهو يقول : يا رسول الله إئذن لي في الزنا !!
ياللهول ..!!!
يريد الزنا .. ويريده حلالا بإذن رسول الله تعالى له ..!!
من الصحابة من استوفز ، ومنهم من تقطّب جبينه وفيهم من قال : دعني أضرب عنقه !!
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدو عن أن تبسم وقرّب الفتى إليه وقال له :
" أترضاه لأمك ؟!
أترضاه لأختك ؟!
ماأشد وما اكبر حلم رسول الله
الرابعة : اختر الكلمات اللطيفة في العتاب والمعاتبة ..
لا تقبّح ، أو تسب أو تشتم ..
فالمؤمن ليس بالطعّأن ولا اللعان ولا الفاحش البذيء !
وفي الحديث الصحيح " والكلمة الطيبة صدقة .."
فكيف تراها تكون هذه الكلمة طيبة ؟!
بعبارات التلاوم والذم والشتم وجرح المشاعر ؟!!
أم ترى أن للكلمات أنوار إذا برقت بروقها أنارت فؤاد المستمع !
الخامسة : اترك الجدال ..
في عتابك لا تجادل .. لأنك بالجدال قد تخسر النتيجة وقد تكون أنت المحق ..
ثم إن المجادل قد يربط الحق بكرامته ، فيدافع عن كرامته لا عن الحق .. وهنا تكون القاضية !
فلا الحق أُحقّ .. ولا المودة بقية ..
وقد جاء في الحديث الصحيح " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقّاً "
السادسة : ضع نفسك موضع المخطئ .. ثم فكر في الحل !
لأنه لا يكفي منك أن تنتقد وتعاتب ..
بل لابد مع العتاب بلسماً ..
السابعة : ما كان الرفق في شيء إلا زانه ..
" إن الله رفيق يحب الرفق "
" وإن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق .."!
يدخل أعرابي المسجد فيبول في ناحية منه ، فيغضب عليه بعض الصحابة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن فعلهم هذا
حتى فرغ الأعرابي ، ثم يناديه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له :" ياهذا إن المساجد ما بُنيت لهذا "
كلمات بسيطات ، تخرج في رحمة وإشفاق من فم رسول الله عليه الصلاة والتسليم ويقول في ذهول :" اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحداً "!!
الثامنة : دع الآخرين يتوصلون لفكرتك .. واجعل المخطئ يكتشف خطاه بنفسه ، ثم هو يكتشف الحل بنفسه .
التاسعة : عندما تعاتب ..اذكر جوانب الصواب ..
اشعر المخطئ ( المعاتب ) بالإنصاف ، فإن ذكرك محاسنه وجوانب الإشراق فيه يجعله أدعى لقبول النصح والحق ، وأبقى للمودة بينكما ..
اقرأ في هذا الأثر في عتابه صلى الله عليه وسلم لعبدالله بقوله : " نعم الرجل عبدالله لوكان يقوم من الليل .."!
يالله .. ما أعظمك يا رسول الله ، وما أعظم أدبك وسكو نفسك ورفعتها ..
العاشرة : لا تفتش عن الأخطاء الخفيّة ..
وعامل الناس بحسن النية ..
فإنك إن ذهبت تتبع عورات المسلمين أهلكتهم ، وأوشكت - بله - أن تفضح نفسك ..
"من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه "!!
الحادية عشر : استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت !
إنك بهذا تشعره بالإحترام والتقدير .. كأن تقول : زعموا أنك فعلت !!
واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في الإنصار بقوله : " يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم ؟! "
لا تعاتب .. قبل أن تستفسر عن الخطأ .. لعل له عذرا .. أو مخرجاً .. أو كرهاً !!
الثانية عشر : امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب ..
الثالثة عشر : تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب تقابلها كلمة طيبة تؤثر أكثر من الكلمة القاسية .
( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم
الرابعة عشر : تذكر ... أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم !!
فامزج خطابك بعاطفة الحنو والقرب والإشفاق والحرص ..
" يا غلام ..سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ."!!
الخامسة عشر : اعط الخطأ حجمه ..
فلا تعظّم حقير ..
ةولا تحقّر عظيم ..
فإنك حين تعظّم الحقير توغر الصدر ..
وحين تحقّر العظيم تفسد الأمر ..
السادسة عشر : ابن الثقة في نفس المخطئ ..
ليكون أقدر على مواجهة الخطأ وإصلاحه .
فمتى تسمو نفوسنا لتبلغ ما بلغه أولئك الأطهار ..
الروابط المفضلة