لا تفرح بوش , فجركم أحمر وفجرنا أزهر
مفكرة الإسلام : على مسافة بعيدة جدا عن المروءة ؛ يقف أبطال الميكروفونات عباد الصهيودولار الجدد من أعضاء مجلس الاحتلال [الحكم] الانتقالي العراقي وأحذيته , ينعقون بما لا يسمعون إلا من أساطين أمريكا .. مبتهجين بأسر الرئيس العراقي صدام حسين ؛ مبدين فيضا من الشماتة يحسدهم عليها الأعاجم .. فلا أصالة حضارية تردهم , ولا نخوة عربية تردعهم .
غير أنها المروءة لا تستبيح أن تمنح نفسها للعبيد . وأذكر أنه حينما سئل المفكر والداعية الإسلامي الشيخ محمد قطب منذ أكثر من ثلاثة عقود عن شكري مصطفى زعيم جماعة المسلمين المصرية [التكفير والهجرة] , وكان أفتى بكفر قطب من قبل , فقال 'ليس من المروءة أن أتحدث عن رجل هو الآن خلف القضبان [لا يملك من أمره شيئا]' ..
وإذا كان الواجب كذلك , ومقتضيات النخوة العربية التي لا تخالفها الفطرة , فإننا سندع الشماتة لأهلها , ونمضي مع الحدث نحاول أن نقترب من تداعياته ؛ لكن بعد أن نمسح رزاز الثرثارين عن محيانا :
* فقد قالوا : اعتقلنا مجرم حرب !!
وقلنا : أي الرجلين أولى بالإجرام , أهو من غادر بلاده ليغزو بلادنا , أمن هب يدفع عدوانكم حتى أخذتموه أسير حرب .. بل ضحية قرصنة ضد رئيس دولة عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة .
* وقالوا : تم اعتقاله لكفاءة الـ C.I.A التي نفذت عملية 'الفجر الأحمر'
وقلنا : بل أسرتموه بوشاية من خونة مات ضميرهم , ولم يكن لها أي يد أو فضل فيها ؛ ولا البنتاجون الذي سبق أن قال رئيسه [رامسفيلد] قبل بضعة أيام:' البحث عن صدام مثل البحث عن إبرة في كومة قش' !! لم تحرزوا نصرا إلا بالخيانة , وما دخولكم عريننا ببغداد إلا على يد الخونة , ولو ظللتم سنوات ما حملتكم إلينا شجاعتكم ولا بأسكم .
* قالوا : وجدنا لديه أموالا طائلة .
وقلنا : يتلقى كل عضو من أعضاء مجلس الاحتلال [الحكم] الانتقالي أول كل شهر مبلغ خمسين ألف دولار أمريكي نظير خدمته للاحتلال , فضلا عن الإتاوة والسمسرة التي يحصلها نظير تسهيله 'إجراءات' سرقة النفط العراقي وتهريبه عبر الكويت وغيرها [ومن بين أعضاء أحمد الجلبي المتهم بالاختلاس في الأردن' .
* قالوا : لقد سرق أموال الشعب العراقي .
وقلنا : إن يسرق فقد سرق إخوة له من قبل , بيد أنهم ما زالوا في القصور لم يبرحوها إلى الأقبية , لأنهم ما زالوا [وليتهم زالوا] يستقبلون البيت الأبيض في صلاتهم العجيبة التي تخلو إلا من السجود .
* قالوا : كان مكروها من الشعب العراقي , ألم تر كيف فرح العراقيون باعتقاله ؟
قلنا : وخرج آخرون والدموع في مآقيهم حزنا على العراق , وهل حظي نبي بإجماع قومه حتى يتمتع صدام بذلك ؟ على الأقل هناك من خرج لحزن صدام فيما لا يتوقع أن يخرج أحد لتوديع القادة العرب المتأمركون .
* قالوا : سقط صدام في أيدي العدالة .
قلنا : لقد لوحق صدام حتى أمس , ولم تكن ثمة أي تهمة يتشدق بها أعداؤه في دينهم تشكل مطمعا لإدانته .
1 ـ غزا الكويت : عوقب على ذلك في العام 1991 على يد تحالف دولي تقدمته الولايات المتحدة الأمريكية , وانسحب من الكويت وانتهت الحرب ومعها العقوبة التي تنص كافة القوانين في العالم على ألا تجتمع عقوبتين لمتهم على جرم واحد .
2 ـ ضرب إيران بأسلحة كيميائية : أمده بها رامسفيلد نفسه الذي زار العراق يوم أن كان نائبا لوزير الدفاع الأمريكي , وفعل الأمريكان أنفسهم أكبر من ذلك حين قصفوا العراق اليورانيوم المنضب وغير المنضب [والنوع الأخير منه له قوة تدميرية تماثل 1.8 المنضب] بأوامر من القائد الأعلى للقوات الأمريكية جورج بوش .
3 ـ قمع شعبه : ومن مِن أقرانه في دول الحوض الإسلامي التي ترتبط بحبل سري يمتد طرفه إلى واشنطن يتخلف عن صدام في القمع أو لا تعج سجونهم بآلاف الأبرياء من قوى المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية .
4 ـ امتلك أسلحة دمار شامل : مضى على الاحتلال أكثر من 8 أشهر ولما يقفوا لها على أي أثر .
5 ـ أقام علاقة سرية بتنظيم القاعدة : لم تتمكن الولايات المتحدة لحد الآن من فك شيفرة هذه العلاقة المزعومة , ولم تعثر على أي خيط يدل عليها اللهم من لحى صدام ونجله فعاجلتهما بحلقها سواء للحي أو للميت !!
ولا ينقطع رزاز القوم , ويبقى معالجة تداعيات الحدث أولى من الاسترسال معهم في تراهاتهم , إذ إن الحدث الجلل يثير أكثر من قضية ويطرح أكثر من سؤال ويفتح أكثر من ملف :
[|] يفتح ملف حزب البعث , وخيانة كثير من قياداته لرئيسه صدام حسين حين لم يرقهم التغير الملحوظ على توجهه واستعداده لخوض غمار الحرب حتى النهاية , ولما كان معظمهم فاسدين , فقد نحا بهم مسلكهم الجائر إلى أن يخونوا رئيسهم أكثر من مرة , أبرزها يوم خانوه في معركة المطار وتسليم بغداد دونما قتال في الثامن والتاسع من شهر إبريل الماضي , والوشاية بابنيه عدي وقصي لقاء المال الذي عشقوه , ثم الوشاية به شخصيا .
[|] يثير تساؤلا عن من يقود المقاومة العراقية : هناك للأسف من بني جلدتنا من يستكثر على الشعب العراقي أن يقوم بالأمر المألوف الطبيعي , وهو مقاومة المحتلين , وينتحل للمقاومة أسبابا غير مقاومة الاحتلال , فتارة هي من بقايا صدام وفلول نظامه وتارة من أناس من الخارج لا يرتبطون بالداخل العراقي بصلة , وكأن البلاد الحضارية العراقية تلك قد عقمت أن تنجب أبطالا يقاومون الغزو الصليبي لبلادهم . ويختزلون العراق ـ كل العراق ـ في شخص هذا الرجل المسن الضعيف الذي رأيناه على شاشات التلفزة ثائر الرأس يضرب المشيب بلحيته الكثة وتملأ التجاعيد وجهة.
عار علينا أن نصور العراق أو نتصوره هكذا , فصدام لم يكن العراق ولم يكن العراق هو صدام , وهذا التساؤل مطروح الآن ؛ لكن ليس في مخيلتنا نحن , بل في أذهان من يظنون بالعراق وشعبه قبول الهوان .
صدام رغم تصلبه حتى النهاية لم يكن كعمر بن عبد العزيز في عدله ؛ ولم يكن كذلك كجورج بوش في طغيانه , رجل حكم العراق لفترة معينة الذي يعنينا فيها الآن هي كيفية تفعيلها في تجييش الأمة الإسلامية خلف مقاومتها للغزو الصليبي , لا أكثر .
[|] يطرح قضية لكم أثيرت وتثار من دون أن يكون لها كبير أثر , وهي جدوى التعلق بالأشخاص دون المبادئ . صحيح أكثرنا قد جرحه المشهد المهين لصدام في كرامته , لكن هذا المشهد لابد وأن يمر كغيره من المشاهد كعامل حفز لا تثبيط للقيام بأي جهد لمقاومة الاحتلال الجاثم على صدور الأهل في العراق , فهذا العدو لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا , وهو قد أراد أن يجرحنا جرحا عميقا بهذه المشاهد التي تضعنا في نفس القبو الذي كان فيه الرئيس صدام حسين .
[|] ينكأ سؤالا : ترى , ما الذي قصده الأرذلون بعرض هذه المشاهد المهينة ؟ كان بإمكانهم عرض صورته وحسب دون هذا الفحص المهين , أتراهم كانوا يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل في فم صدام حسين ؟!
في بلاد بني يعرب لا يحب المرء رئيسه , غير أنه لا يقبل أن يفحص كما لو كان في سوق نخاسة . فليقولوا ما هم قائلوه : أسلحة دمار شامل , مقابر جماعية , حروب عدوانية , أموال مكنزة .. كل هذا لن يحد من صدمة العرب ـ كل العرب ـ من هذا المشهد المهين على يد قتلة الهنود الحمر .
بقلم : أميـر سعيـد
الروابط المفضلة