السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المختصر/
المركز الفلسطيني / جاءت الأم إلى مركز جمع التبرعات و هي تحمل ابنتها الرضيعة التي لم تتجاوز العام من عمرها و تقدّمت الأم لتضع ما أحضرته معها من ملابس و أغطية ، فما كان من الطفلة الصغيرة إلا أن مدّت رضاعتها التي تحملها بيدها متوجّهة بنظرها إلى مستلم التبرعات و كأنها تستغني عن رضاعتها كتبرع و مشاركة في حملة إغاثة المنكوبين في رفح
هذه صورة لطفلة صغيرة من المعسكرات الوسطى و أمها التي أبت إلا أن تحمل طفلتها الصغيرة و تمشي مسافة كبيرة للمشاركة في تقديم العون لأبناء شعبها .
تلك القصة و غيرها شكّلت ظاهرةً خلال الأسبوع الماضي بعد إعلان الجمعيات الخيرية الإسلامية عن انطلاقة حملة لإغاثة المنكوبين في رفح ، المعلومات التي توفّرت عن نتائج هذه الحملة تفيد أن الجماهير الفلسطينية تعاطفت و تعاونت بشكلٍ كبير إلى درجة أن العديد ممن لا يمتلكون الكثير ليقدّموه قدّموا ما يمكن الاستغناء عنه و ما هم بحاجة له أيضاً من أغطية و فراش و ملابس من تلك التي يستخدمونها في منازلهم , لذلك فقد استطاعت الحملة أن تجمع عدداً كبيراً من هذه المعونات المادية و التي تنوّعت بتنوع الاحتياج و قلة القدرة لدى الجماهير الفلسطينية التي أفادت الإحصائيات الأخيرة وفقاً لتقرير أعدّه البنك الدولي أن 60 % منهم يعيشون في مستوى أدنى من خط الفقر بواقع دولارين شهرياً .
صورة أخرى تظهر مدى التكافل الاجتماعي الذي ظهر في الانتفاضة الحالية كانت في قرية القرارة بمدينة خانيونس ، حيث توجّهت سيارة التبرعات هناك و عندما وصلت السيارة إلى إحدى المناطق النائية قليلة السكان فلم يُرد أن ينادي الشخص الذي يتحدّث في الإذاعة بمكبرات الصوت ظناً منه أن هذه المنطقة ليس بها أحد فقام آخر و نادى لجمع التبرعات و تحدث عن نكبة المواطنين في رفح و ما إن ردّد نداءه مرة أخرى حتى خرجت نساء الحي و تجمهرن في الشارع حول سيارة الإغاثة و إذا بهن يتبرعن بما في بيوتهن من فراش و أغطية ليتدفأ أطفال رفح ، و في هذه اللحظات خلعت إحداهن جميع أساور الذهب التي في يديها و تبرعت بها ، و قبل أن تغادر سيارة الإغاثة قام أحد الأطفال و الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره و قال لسائق السيارة انتظرني دقيقة ، و ذهب الطفل و الجميع بانتظاره و أخذ كلّ ما في حصالته و قام بشراء طبق بيض أعطاه لسيارة الإغاثة كتبرع و مساهمة منه و قال هذا كلّ ما أملك لأتبرع به لأطفال رفح ..
منطقة مخيم خانيونس الغربي أو كما تم تسميتها خلال انتفاضة الأقصى بمنطقة حاجز التفاح شهدت من قبل نكبة قريبة من تلك التي حدثت في رفح فتم تجريف العديد من بيوت المواطنين هناك و تسويتها بالأرض و برغم الفقر و المعاناة المتواصلة التي يواجهها سكان هذه المنطقة إلا أنها كانت من أوائل المناطق التي شاركت في حملة الإغاثة ، فتبرع المواطنون هناك بالإضافة إلى أموالهم بما حصلوا عليه سابقاً من مساعدات من أغطية و مواد تموينية و تم تحميل ما يزيد على السبع شاحنات من المواد العينية من هذه المنطقة .
الحملة الشعبية لم تقتصر على مكانٍ واحد بل شملت جميع الأماكن التي كان بها المواطنون من مساجد و ساحات عامة و حتى منازلهم . ففي المساجد و خصوصاً في خانيونس منطلق الحملة ، أُعلن الجمعة الماضية عن جمع التبرعات بعد الصلاة و بالفعل كان الإقبال على التبرع من قبل المصلين كبيراً و فاق حجم التبرعات ما كان مألوفاً في بعض المساجد ، و يقول أحمد محمود الذي كان يجمع التبرعات في مسجد حمزة بخانيونس : "لقد جمعنا في تلك الجمعة ضعف ما كنا نجمعه عادةً و لاحظنا اهتماماً كبيراً من قبل المصلين بما حدث في رفح و بضرورة مساعدة المنكوبين هناك حتى أن بعضهم من لم يكن يحمل في جيبه نقوداً ذهب إلى بيته و عاد بسرعة محضراً معه المال الذي تبرع به و آخرون خرجوا و عادوا بمواد عينية للتبرع بها" .
الانتفاضة و ما نجم عنها من مآسي ألمت بالكثيرين ، بالإضافة إلى المأساة العامة التي يقاسي آثارها الجميع ، الحصار و الإغلاق و المصاب الواحد فقد عزّزت ظاهرة التكافل الاجتماعي بين الأفراد و الأسر و الجماعات و هي من أهم الحسنات التي عزّزتها الانتفاضة في المجتمع الفلسطيني فعاد الجار ينظر إلى جاره والأخ يتفقّد أخاه و بات التكافل الاجتماعي و ازدياد الترابط في النسيج الاجتماعي هو اللغة السائدة ..
لشيخ سليمان الفرا ممثل اتحاد الجمعيات الإسلامية و في لقائه مع ( الرسالة ) عبّر عن سروره و سعادته من التجاوب الكبير من المواطنين و من توحيد و تظافر الجهود في هذا الموضوع ، فعلى سبيل المثال هبّ المواطنون في المعسكرات الوسطى إلى جانب إخوانهم في خانيونس لنجدة إخوانهم في رفح و كذلك فعلوا في غزة و باقي مناطق القطاع و في المنطقة الوسطى بالذات التي تعتبر منطقة فقيرة جمعوا خلال أيام قليلة 25 شاحنة .. و أضاف أن : "هذا يعتبر ضربة لضربة مضادة لاستعادة اللحمة الوطنية ، أما النقطة الثانية فإن تطوّع الشعب لرأب الصدع سيصبح سنة بإذن الله و حتى أننا بدأنا بالتفكير بحملة مماثلة لمساندة إخواننا المتضرريين في حي الزهراء و لذلك نطالب الصحافيين و الإعلاميين و أئمة المساجد أن يساعدوا و يشاركوا في الحملات الإعلامية المصاحبة لحملات جمع التبرعات أو للحملات التطوعية بشكلٍ عام ، أما الفائدة الثالثة التي تم تحقيقها فهو أن الشعب كلما ضرب يزداد قوة لأنه شعب صاحب حق و صاحب قضية" .
الفرا الذي كان موجوداً لحظة توزيع المساعدات على المنكوبين قال : "أشعرناهم أن تلك المساعدات هي حقّ لهم عندنا لأنهم على ثغر من الثغور ، و سكان الثغور لهم حقوق على المدن الأخرى ، كما أشعرناهم بأنه لا فضل لنا عليهم لأنهم ضحّوا بمنازلهم و أولادهم و هذه التضحية ليست لهم بل لأجل الدين و الوطن" .
كما رأينا في وجوه المواطنين الذين حصلوا على المساعدات السرور من هذه الخطوة و من مدى الاهتمام الشعبي في قضيتهم التي هي قضية كل فلسطيني.
من جهة أخرى نظّم اتحاد الجمعيات الإسلامية "المؤتمر الإسلامي للتكافل و التضامن مع أصحاب المنازل المدمّرة في رفح" مؤتمراً تم خلاله توزيع المساعدات على المنكوبين و التي بلغت ربع مليون دولار تقريباً . و أصدر المؤتمر بياناً صحافياً جاء فيه : "إنه تم جمع التبرعات النقدية من جمعيات خيرية إسلامية في الخارج و الداخل إضافة إلى تبرعات الأهل في قطاع غزة بما يعادل ربع مليون دولار أي بواقع 1000 دولار لكل أسرة" .
و ثمَّن البيان الهبة الشعبية لأبناء شعبنا الفلسطيني في قرى و مدن و مخيمات قطاع غزة لاستجابتهم الكريمة لنداء الاستغاثة العاجلة الذي أطلقته "الجمعيات الإسلامية" و التبرع بما جادت به أنفسهم من خير ، و دعا البيان أبناء الشعب الفلسطيني المرابط إلى المزيد من التكافل و التعاضد و التعاطف خاصة و نحن في شهر رمضان المبارك .
و دعا البيان السلطة الفلسطينية و على رأسها الرئيس أبو عمار للمسارعة في الإلغاء الفوري للقرار القاضي بتجميد حسابات الجمعيات الخيرية .
و أصدر المؤتمر الإسلامي صرخة بعنوان : "فلتتواصل قوافل الإغاثة" و جاء فيها : "إلى كلّ ضمير حي إلى كلّ إنسان معطاء إلى أهالي الخير و الإحسان إن واجب الأخوة يستصرخكم فما زالت آلة الحرب الصهيونية و الهمجية الشارونية تقتل و تدمّر و تهدم و تعيث خراباً و فساداً في كلّ مكان من وطننا الحبيب ، و في محافظة رفح بالخصوص" ... و دعا البيان إلى الاستمرار في العطاء و مشاركة الأهالي المنكوبين تضحياتهم ، و ناشد البيان السلطة الوطنية الفلسطينية بالإفراج الفوري عن أموال الجمعيات الإسلامية المجمّدة في البنوك لسرعة إغاثة أهالي رفح المنكوبين . و تم في نهاية المؤتمر توزيع شيك بألف دولار على 253 أسرة .
رد مع الاستدلال
sid
الروابط المفضلة