اعتراض ودفعه
قد يقال على وجه المعارضة او الاستفهام:
وما مكان العقل في مجال العقيدة, وبالعقل عرفنا الله وصدقنا رسوله وأقمنا الدلائل على ذلك؟ فهل يجوز بعد ذلك تعطيل العقل او ابعاده عن هذا المجال؟
والجواب:
إن العقل أساس التكليف ومناط الأهلية, فلا يتصور, إذن, أن ندعوا إلى تعطيل العقل أو تنحيته من مجال العقيدة, وإنما الذي نريده ونؤكد عليه هو إيقاف العقل عند حده وإبقائه في نطاق وظيفته وعدم السماح له بالجحود, لأن العقل إذا جمع وتجاوز الحد وخرج عن نطاق وظيفته لم يأتنا إلا بالخيال الغائب والوهم الكاذب ولا يصلح الوهم ولا الخيال أساسا للمعرفة الصحيحة.
ثم إننا بدعوتنا إلى هذا الأصل إنما ندعوا في الحقيقة إلى ما دل عليه العقل السليم, فالعقل كما قلتم ونقول دلنا على صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وإنه رسول الله حقا. ومعنى الرسول هو أن الله أرسله ليبلغ رسالته , فعلى الخلق, إذن, تصديقه فيما أخبر به عن ربه والتسليم له بذلك عن رضا واقتناع وانقياد, ومن جملة ما أخبرنا به أمور العقيدة الإسلامية وهذا يعني بالضرورة أن المصدر الوحيد لمعرفة معاني العقيدة هو ما قلناه: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, أي الوحي الإلهي.
وعلى هذا فأية معارضة أو مناقصة أو رد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة مخالفته للعقل يعتبر مناقضة صريحة لما دل عليه العقل من أنه رسول الله حقا, فأي الفريقين أسعد باعتبار العقل ودلالته: أصحاب هذا الاعتراض أو الإستفهام أو أصحاب وحدة المصدر في معرفة العقيدة الإسلامية؟
ووظيفة العقل بعد أن دلنا على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم هي أن يفهم إخبارات الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف معانيها كما هي لا كما يتخيلها في حالة جموحه وخروجه عن حدود وظيفته, لأن حد المعرفة الصحيحة لأي شيء هو أن تعرفه كما هو في الواقع لا كما تحب أن يكون عليه هذا الشيء فهذه معرفة متوهمة لشيء متوهم غير موجود وليست هي معرفة للشيء الموجود فعلا في الخارج.
إن مثل العقل في الحالتين مثل المصباح في يدك يكشف لك الموجود لا المعدوم, فإذا أردت منه أن يريك ما تحب أن يكون مما هو غير موجود لم يستطع ذلك إلا على سبيل الوهم والتخيل, وهما لا يصلحا سبيلا لمعرفة الصحيحة.
المصدر:من مقدمة كتاب (القضاء والقدر والرد على من يحتج بالقدر ) للإمام البيهقي رحمه
الله, والذي قدم الكتاب هو أبي فداء الأثري. ص 15-16 مع شيء من التصريف في "الإعتراض"
الروابط المفضلة