بسم الله الرحمن الرحيم
قال أحد السلف:"ما صدق الله عبد أحب الشهرة"..
إن الداعية إلى الله يكره الشهرة بطبيعة الحال..
فإخلاصه في دعوته يدفعه لكراهية الشهرة وحب الظهور..
فهو يريد أن يبلغ دين الله تعالى ويبلغ الدعوة..
وليس هدفه الشهرة وحب الظهور..ولكن هذا لا يمنعه من ارتياد آفاق الدعوة..
وسلوك سبلها المختلفة..بل له في كل ميدان سهم..
فكراهية الشهرة لا تمنعه من التصدر للقيادة إذا كان أهلا لها..
فإن الله تعالى أخبر عن المؤمنين بقوله:
((واجعلنا للمتقين إماما))
وأخبر عن يوسف عليه السلام بقوله:
((اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم))
فلم يمنعه تواضعه وإخلاصه عليه الصلاة والسلام أن يتصدر للقيادة حين كان أهلا لذلك..
وهذا بلا شك لا ينافي الإخلاص..
فإن المخلص في دعوته لا يهمه مدح الناس أو ذمهم..
فقلبه معلق بربه تبارك وتعالى ورضاه عنه..
يقول الإمام الذهبي رحمه الله:
"علامة المخلص الذي قد يحب شهرة ولا يشعر بها أنه إذا عوتب
في ذلك لا يحرد ولا يبرئ نفسه..بل يعترف ويقول:رحم الله من أهدى إلي عيوبي..
ولا يكن معجبا بنفسه لا يشعر بعيوبها..بل لا يشعر أنه لا يشعر..فإن هذا داء مزمن"انتهى كلامه..
فالإنسان بطبيعته البشرية ..قد يوسوس له الشيطان بشيء من حب الظهور ..أو الشهرة..
ولكنه سرعان ما يتذكر ويتنبه لنفسه ويراجع نيته..
ويصحح النية ويخلصها لله عزوجل..
ويقول الذهبي رحمه الله محذرا:
"فربما أعجبته نفسه وأحب الظهور فيعاقب..
فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط عليه
من يؤذيه لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية..
فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء..كما أنه سار في نفوس المنفقين من الأغنياء..
وهو داء خفي يسري في نفوس الجند والأمراء والمجاهدين..
فتراهم يلقون العدو ويصطدم الجمعان وفي نفوس المجاهدين مخبآت وكمائن من الاختيال..
وإظهار الشجاعة ..يضاف إلى ذلك إخلال بالصلاة وظلم للرعية وشرب للمسكر ..
فأنى ينصرون ؟وكيف لا يخذلون؟..
فمن طلب العلم للعمل كسره العلم-أي كسر نفسه وعجبه بها-وبكى على نفسه..
ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق واختال وازدرى بالناس..
وأهلكه العجب ومقتته نفسه.."انتهى كلامه..
فسبحان الله..صدق والله فمن لم يخلص النية قلب الله نيته عليه..وقلب عليه مراده..
وجعل ما يسعى إليه من حب الشهرة والذكر بين الناس وبالا عليه وذلا يتجرعه..
وخزيا يخزيه..
فقد قال الفضيل رحمه الله"من أحب أن يذكر لم يذكر..ومن كره أن يذكر ذكر"..
وهذا لا يمنع الداعية كما أسلفت من خوض غمار الدعوة وبحورها..
حتى وإن اشتهر فإن هذا لا يمنعه من ذلك..
ولكن يستوي عنده مدح الناس وذمهم..ما دام أنه على الحق المبين..
لأن مقصوده ومراده وجه الله تعالى..لا طلب رضى البشر..
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أشهر الخلق..ولكنهم أكثر الخلق إخلاصا لربهم تبارك وتعالى..
فلننتبه لهذا الباب وهذه الشهوة الخفية..من حب الشهرة والظهور..
فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية..وهو أعلم بالسرائر..
ولا يتقبل جل في علاه من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم..
وفي نفس الوقت ينتبه الإنسان من عكس هذا الأمر..
ألا وهو أن يترك الإنسان العمل والدعوة من أجل التواضع الكاذب..
فيقول أنا لست أهلا لهذا العمل..وكذا وكذا..من باب إظهار التواضع
ومقت النفس والبعد عن الشهرة..
وإلا في داخله من العجب الشيء العظيم..
ومن حب الظهور مالا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى!!..
فإذا كان الإنسان أهلا للعمل فليخض غماره ويزدري نفسه ويعترف بتقصيره في حق ربه..
فالتوازن في هذا الأمر شيء مهم..
أسأل الله للجميع الإخلاص والتوفيق والسداد..
والله أعلم..
الروابط المفضلة