أقسى ما في الحياة
أن تكون مرغماً على الابتعاد عمّا تريد الاقتراب منه.
أو أن تقترب عمّا تريد الابتعاد عنه فمثلاً من أجل الحفاظ على الصحة وما تفرضه بعض الأمراض فإن الإنسان يضطر إلى الابتعاد عن بعض الطعام اللذيذ الذي يتمناه وفي الوقت ذاته ويالسوء المفارقة تجده يضطر إلى تناول طعام غير شهي لا يرغبه، أو تناول دواء يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
وفي الميدان العملي قد يضطر الإنسان أن يبقى وسط جو عملي لا يطيقه إما بسبب سوء المكان أو تعامل الإنسان لكنه يُرغم نفسه على البقاء من أجل لقمة العيش له ولفلذات كبده ومنذ أكثر من ألف عام جعل المتنبي هذه البلوى من «نكد الدنيا» على الإنسان.
نمط ثالث من الابتعاد المشجي عندما يغادر الإنسان ـ مضطراً ـ مكاناً يعشقه قلباً أو تراباً من أجل البحث عن الرزق.. وهذه الغاية جعلت الشاعر ابن زريق يموت في غربته وهو يردد:
«والسعي في الأرض والأرزاق قد قسمت
بغي إلا أن بغي المرء يصرعه»
وأما أقسى نأي فهو نأي الأحباب عن أحبابهم أو بالأحرى هجرهم لهم وهم الذين يحترقون عند غيابهم ولو للحظات.. ولكن سيف الابتعاد يكون مسلطاً على رقابهم فيضطرون للبعاد كرهاً وليس طوعاً مرتدين وشاح الشجن بسبب الفراق وهم يحسبون أنهم سيلقون في البعاد ارتياحاً لكن ذلك النأي لا يجود عليهم بالنسيان أو السلوى بل يظل حلم اللقاء «جمراً» يحرق أفئدتهم.
إنهم يبتعدون أجساداً لكنهم يقتربون قلوباً، ألم يقل شاعرهم في بيت أخاذ:
«وإني لأمنحك الصدود وإنني
قسماً إليك مع الصدود لأميل»
\\ وقفة حياتية :
مؤلم
أن يضيع وقتنا بالتافه من الأمور، والسطحي من العطاء.
ورائع
أن يضوع بالجليل من الأعمال، والجميل من الإبداع
لكن
بين الوصول إلى الجليل من الأمور ونفي التافه منها
«إرادة» لا يقدر عليها كل الناس
إن من يسمو بنفسه إلى معالي الأمور هو وحده من يمتلك هذه الإرادة.
بينما من ينظر إلى أسافلها.. ومتعها الآنية
هو من يهدر أغلى ممتلكاته
فلا يحصد إلا ندماً
ولا يحصل ـ في النهاية ـ إلا ألماً..!
\\ قبل الأخير :
عبارة ساخرة لكنها صادقة:
«يكدّْ الفقير للحصول على غذاء لمعدته، ويكدّ الغني للحصول على معدة لغذائه»!
إنها العدالة..
فالكدّ وارد للطرفين: الغني والفقير.. ولكن كدّ الغني ـ هنا ـ أوفر تعباً وشقاءً..!؛
\\ آخر السطور :
للشاعر إبراهيم ناجي :
«هذه الدنيا هجير كلها
أين في الرمضاء ظل من ظلالك
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيت خيالاً من خيالك»
حمد القاضي
الروابط المفضلة