بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

لله أمر هذه الأمة !! لله أمرها !! ما أقواها ، وما أشدها !!
عزتْ بالإسلام ، واستضاءتْ بنوره .. فأضحت شامة بين الأمم .. ونقلت أبناءها به من رعاية الغنم إلى صناعة الأمم .. وأخرجتهم به من ظلمات التيه والخوف والتخطف إلى نور الهداية والبر والرشاد والأمن ...
إنها الأمة الخالدة .. التي لم يجنب الزمان مثلها ..
إنها الأمة الباقية والطائفة المنصورة ..
إنها الأمة الشهيدة والحاكمة على من سواها من الأمم .. (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) ...
نعم .. ما زالت هذه الأمة تنجب صناعاً للتأريخ .. ورجالاً ونساء أجسادهم في الأرض وأرواحهم في السماء .. يؤتون أكل ثمرات خيرهم وبرهم كل حين.. وينهل من عذب أفعالهم وأقوالهم بقيةُ الخلق ومن نوَّر اللهُ بصيرته بنور الحق ..

هنا .. فوق صرح التأريخ الشامخ .. في ساحة الشرف والبذل .. تظهر صورة امرأة من نسائنا وفتاة من فتياتنا ...
تجلببت بالعفة والحياء والحشمة فلم يَبِنْ منها قيدُ أنملة .. ولكنْ ... أسفر عنها العمل الصالح والقول الحسن .. { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} ..
إنها أم الشهداء ... الخنساء .. المرأة العظيمة والفتاة الكريمة ..
ألمَّ بها الألم ، وتجرعت مرارة كأس الفراق .. وهامت على وجهها باكية شاكية .. تقول :
ولولا كثرة الباكين حولي -------------- على قتلاهم لقتلت نفسي

وإن صخراً لتأتم الهداة به --------------- كأنه علم في رأسه نار

أعينيَّ جودا ولا تجمدا ------------- ألا تبكيان لصخر الندى ؟!

لكنَّ نور الإيمان يضيء في جنبات ذلك القلب المتألم المظلم .. وأفراح الروح تعلو محيا فؤادها الباكي فترسم ابتسامة الرضا على وجه حَفرتْ وجناتِه الدموعُ ....
عندها تنسى صخراً .. وتزيل صخرته عن فؤادها ... ويشع الإيمان في قلبها لتقول وقد جاءها نعي أبنائها الأربعة : الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعاً ..
قف يا تاريخ !!! .. قف يا تاريخ !!! خذ دفترك أيها المجد .. سطِّرْ واكتبْ بماء الذهب ، لا ..بل بماء الرفعة والعزة والكرامة والنبل والعظمة والسمو ... سطِّرْ كلماتها .. ولا أخالك أيها المجد .. لا أخالك تملك مفردات تسع كلماتها !!! فارْضَ من الغنيمة بالإياب .
أقبلتْ على أبنائها فلذاتِ كبدها .. أربعةٍ شباب .. من شباب الآخرة ، لا من شباب الدنيا !! وقفتْ لتقول لهم : ما ربيتكم إلا لهذا اليوم ...
يا لِلَّه !!! ، وتُبَشَّرُ بموتهم فتفرحُ وتُسرُّ !!
إنها أم الشهداء .. إنها أم الشهداء ... رضي الله عنها وأرضاها ...

فيا من سارت على هذا النهج القويم .. إن لك في أمك الخنساء سلوة عما تكابدينه ..
أختاه !! .. يا سليلة الأمجاد الأول .. اقرأي قوله تعالى لنبيه الكريم : {ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك} .. وطريق المجد طويل وشاق .. ومن سار فيه لن يُعدم من حاسدٍ ومتربصٍ وقاعدٍ بكل صراط ليصدَّ ويمكر ... ولن يُعدم كيدَ العدو الأول إبليس أعاذنا الله من شره .
و لكن {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ، وعند الإصباح يَحْمُدُ القومُ السُّرى .. ويُلْقَمُ المفرِّطُ حجراً ... ولات حين مندم !
أختاه إنه مقام الصبر .. والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ...

وعما قليل تصافحين أمَّ الشهداء وعائشة وخديجة ومريم وأمهاتنا الصالحات في مقعد صدق عند مليك مقتدر ... اللهم آمين ..