قابلته على غير العادة ، فاقد الابتسامه ، شاحب الوجه ، نبرة صوته حزينه .. !!
سألته : ( عسي خير ) ؟ .... فأجابني وكأن الدنيا اسودت في وجهه : لقد تقاعدت !!
قلت له احمد الله أنك تقاعدت وأنت في أتم الصحة ..
شعرت أنه سائر في طريق مظلم وأنه أوشك علي الضياع فما أقسى أن يشعر المرء بهوانه وقلة أهميته
بعد أن أخذ المجتمع خبرته وقوته وشبابه , أهداه في نهاية الأمر لقب يحمل من القسوة أكثر مايحمل من الرحمة ،
متقاعد .. محال .. عاجز .. مصطلحات اعتدنا سماعها وترديدها رغم ما تحمله الكلمة من معان سلبية وانتقاص لصاحبها
وكأننا نجازي صاحب العمل المتواصل والعطاء المستمر بلقب يجرح قلوبهم ويدمي نفوسهم .
فئة هامة ، تحتاج تسليط المزيد من الضوء على جوانب حياتهم تلك الطاقة المهمشة المحرومة من مواصلة العطاء
والعمل رغم قدرة بعضهم على العطاء وخبرتهم في مجال أعمالهم التي قد تفوق في بعض الأحيان المتخرجين
الجدد من الشباب .
لابد أن نقر ونعترف أن التقاعد ليس ظلماً بل هو نتيجة حتمية ومتوقعة لنهاية الخدمات وذلك لإتاحة الفرصة لأجيال أخرى باستكمال مسيرة العطاء وبذل الجهد لمزيد من الرقي والتقدم .
ولكننا هنا نتحدث عن الجانب الإنساني في حياة المتقاعد ... نتحدث عن نظرة المجتمع له وعن الكرسي الذي لايدوم لأحد .. !
هذا الشخص الذي ظل يعطي ويعطي فترة طويلة من عمره هي أزهى الفترات التي مر بها حيث الشباب والقوة والحيوية .. لابد وأن يكون هناك بالمقابل تقدير وتعويض يليق به وبعطائه وعمله .
وهنا يكون الســـــــؤال :
إلي أين يذهب المتقاعد بعد آخر يوم عمل له ..؟
صراحة أجد أن معظم دولنا العربية تفتقد إلى ثقافة التعامل مع المتقاعد ، فالمتقاعد ( رجلاً كان أو إمرأة ) ، في أمس الحاجة لأن نشعره بأهميته وأنه مازال علي قيد الحياة ، له تقديره وإحترامه الكامل .
ولا ننكر أن هناك كثبر من الأباء والأمهات المتفاعدون ، يعيشون الوحدة في منازلهم ، بعد أن إنشغل الأبناء بحياتهم الجديدة سواء كانت إجتماعية أو عملية .
لذا يجب على المجتمع أن يرعاهم ويهتم بهم ، ويعمل على تلبية إحتياجاتهم ، وهذا من أبسط حقوقهم على المجتمع وعلينا أيضاً لأننا من ضمن المجتمع أولاً ، ولأنهم أعطونوا وقدموا لنا الكثير ثانياً .
وســـــــؤال آخر يطرح نفسه :
لماذا لا نأخذ بتجارب الغرب ونتعلم كيفية التعامل مع المتقاعدين .. ؟
أقف هنا عند التجربة اليابانية بإختصار شديد والتي قامت بعمل الكثير وقدمت العديد من أجل المتقاعد ، على سبيل المثال :
- قامت الحكومة اليابانية بعمل برنامج إجتماعي واقتصادي يعتمد على إضافتهم إلى مواقع التنمية ، مثل تعينهم كمستشارين في القطاع الحكومي والمؤسسات الأهلية المختلفة .
- ولأهمية المتقاعدين ، قام القطاع التجاري في اليابان بتأمين الخدمات المتنوعة لهم ، حيت يعتبروا أن التقاعد بالنسبة للمواطن الياباني هو بداية لحياة جديدة ، بستطيع أن يحقق من خلالها ما لم يحققه في الماضي .
- في شمال العاصمة طوكيو يوجد أكبر شارع تجاري خاص بالمتقاعدين ( مشاه ) لا تدخله السيارات ، يوفر كل ما يحتاجه المتقاعد بيسر وسهولة .
- توفير البرامج الرياضية والسياحية ، حيت هناك إهتمام كبير بالرياضة والسياحة .
- هناك جامعة خاصة بالمتقاعدين مقرها مدينة ، كاكوجاد ، أول وأهم شروط الإنتساب لها ، أن يكون عمر المنتسب قد تجاوز الستين ، والدراسة فيها تنقسم إلى قسمين :
قسم علمي ، خاص بالثقافة العامة وتعليم اللغة الإنجليزية وعلم النفس .. وقسم عملي ، يتدرب الدارس على الأعمال الزراعية وكيفية تربية الأسماك والطيور يجانب صناعة الأواني الفخارية والعديد من الحرف اليدوية ، والتي كان أجدادنا العرب متفوقون فيها .. إنهم يعيدون الحضارة الإسلامية العربية التي أهملناها بشكل غريب ومؤلم .
أخيرأ : ماذا قدمت دولنا العربية لأصحاب الخبرات والطاقات المهملة ..؟
نعم سنتقاعد ، وسنترك المكان والكرسي لغيرنا ، سيبقي الكرسي ونذهب ، فما هو المصير .؟ الله أعلم ..!!
لذا علينا أن نعمل ونفكر جيداً لهذا اليوم ، حتي لا نصاب بما لا يتعذر علاجه .
مع خالص تحياتي وتقديري وإحترامي للجمبــــــــــــــع ،،،
الروابط المفضلة